ثقافة وفن

الأزياء تحمل آلاف الأفكار وهي انعكاس للحياة … رجاء مخلوف لـ«الوطن»: العصرنة ليست المعاصرة فقط وهذا ما حاولت مقاربته في أزياء سوق الحرير«2»

| سوسن صيداوي

خطوتها المهنية الأولى كانت على غير رأي الأهل، ولكنها آمنت ومازالت بما تحب، لتثبت بأنّ اختيارها كان محقا، وليس هذا فقط، لتحصد التأييد بنجاحها وتميّزها في المهنة التي اختارتها، وهذه المهنة ليست سهلة، كونها تتطلب في بعض أنواعها، خلقا لوجود مضى عبر تصميم أزياء اندثرت مع السنوات، ولم يبق ليخبرنا عنها سوى كتب وثّقت طبيعة قماشها وألوانها. حوار (الوطـن) اليوم مع مصممة الأزياء رجاء مخلوف التي بعد تخرّجها في قسم اللغة الفرنسية في «جامعة دمشق»، تفرّغت لدراسة تصميم الأزياء في معهد «إيسمود» بإشراف من مصمّمة الأزياء الفرنسية «كارولين زيبليني»، لتبرع مخلوف وتصبح رقما صعبا في هذا المجال، ففي مشغلها يقع بين أيديها دائما كتب ومجلات تتصفحها، وقماش ملّون بنوعيات مختلفة، إضافة إلى الورقة والأقلام، لتصمّم أزياء ارتداها أهم نجوم الدراما السورية والعربية المشتركة، في أعمال سينمائية، وتلفزيونية تزيد على ثلاثين مسلسلاً وعلى سبيل الذكر منها: الزير سالم، الطواريد، الملك فاروق، هارون الرشيد، الثريا، نزار قباني، هوى بحري، الندم، فنجان الدم، بنت الشهبندر، عائد إلى حيفا، السيرة الهلالية، ……وأخيرا سوق الحرير في الجزء الثاني.

في الحوار نقف عند رأي رجاء مخلوف في الموضة المعاصرة، لتشرح لنا ماهية عملها وكيف يتم التحاور مع المخرج والممثلين لاختيار الأفضل من الأزياء، إضافة للمطبات التي تتعرض لها أثناء إنجازها لعملها، مع نقاط أخرى متنوعة.

• بداية العمل الدرامي يخدم البصر والصورة وكل منهما يؤثر في المُشاهد لتتبعها العناصر الأخرى…… من هنا تنطلق مسؤوليتك في الأزياء والتي يجب ألا تكون مؤذية بل متناسقة وخصوصا بأنك أكثر تأثرا باللون من القماش… ما تعقيبك؟

بداية العمل الفني هو عمل جماعي، ويتم تكريسه بأن تأتي الصورة بعناصرها متناغمة، سواء من حيث اللباس أو الديكور وحتى الإضاءة….إلخ. وبالمقابل أنا أبحث دائما عن لون يناسب الكاميرا وحساسية الإضاءة، وخصوصا بأن الألوان في الواقع ليست بالضرورة أن تصلح للتصوير، هذا عدا عن اعتقادي بأنني يجب أن أحاول الارتقاء بذوق المشاهد وحساسيته تجاه الألوان، من حيث يجب أن تكون متناسقة ومتناغمة مع بعضها وعلى التحديد في أزياء الممثلين عندما يتواجدون في كادر واحد. إذاً عملي ليس بالهيّن، بل هو عمل شاق، وبالوقت نفسه هو طموح أسعى في كل مرة، لتحقيق أعلى درجة ممكنة منه.

• في مسلسل «السفر برلك» مع الليث حجو… استلمتي الشق السوري.. لنتكلم حول هذا الموضوع.

لمسلسل «السفر برلك» قصة طويلة. منذ عدة سنوات كنت قد بدأت بتحضيره كاملا مع المخرج المرحوم حاتم علي، ثم توقف العمل وانسحب المخرج وطوي الموضوع. ولكن بعدها بفترة عادت وأخذته جهة إنتاجية أخرى وقرروا تنفيذه في مصر، هنا طلب مني (حاتم) أن أساعده في القسم السوري على الأقل، وبالتأكيد وافقت فهذا شرف لي، وكان مقرراً أن يخرج القسم السوري المخرج الصديق الليث حجو. ولكن بعدها جاءت وفاة حاتم علي بصدمة صاعقة، وكنا ظننا أنّ العمل لن يكتمل، ولكن بعد فترة استلم الليث حجو كلّ العمل، وأنا مازلت بصدد تحضير الأزياء التي يجب أن تمثّل مرحلة مهمة شكلت نقطة تحول في تاريخ المنطقة، حيث كان الفقر والحرب والتشرّد عنوانا رئيسيا، وهذا صعب في الدراما، لأنه علينا أن نصنع ملابس معتّقة بألوان ترابية متسخة، عدا عن فئات أخرى وبيئات متنوعة من المجتمع الدمشقي، إضافة لملابس العثمانيين من جنود ودرك وغير ذلك الكثير من التفاصيل.

• هل تقرأين النص لتصميم أزياء المسلسل؟

بالتأكيد. قراءة النص كاملاً هي أول ما أقوم به، لآخذ منه المعلومات التي أحتاجها، فيما يتعلق بالشخصيات والمرحلة التاريخية وغير ذلك من التفاصيل، كي أتمكن من الانتقال إلى المراحل اللاحقة في بحثي الخاص بالمسلسل.

• كم يأخذ معك وقتا تصميم الثياب للعمل الواحد؟

نحن عادة لا نأخذ الوقت الكافي للتحضير والتنفيذ، وهي مشكلة دائمة عندي، فأنا أهتم بالتفاصيل وأطمح للكمال في عملي، ولكني اضطر للرضوخ للشرط الإنتاجي الذي يريد اللحاق برمضان. يعني غالبا أحضر قبل التصوير بحوالي الشهر، ولكن أبقى أتابع التصوير وورشات الخياطة، أحيانا لآخر أسبوع من تصوير المسلسل.

• إلى أي مدى يتدخل المخرج أو الممثل في خياراتك؟

المخرج له رأيه بالتأكيد، وأنا لابد أن أتناقش مع المخرج لكي نصل معا لأفضل صيغة. ولكن بالنسبة لي صار لديّ نوع من الثقة بعملي، و بأنني لن أقدم إلا أفضل الحلول، ومع ذلك أسعى للحوار دائما مع المخرج والممثل وأحيانا الكاتب، فأنا طمّاعة تجاه عملي، وأي فكرة تقدم لي أجدها مناسبة لا أخجل أبدا من الاستفادة منها.

• حدثينا عن مفاتيحك التي تستعينين بها أثناء قيامك بتصاميم العمل.

أبدا بالقراءة الجيدة للنص مع فكفكة جميع خيوطه وفهم شخصياته، واعتمد كثيرا على مخزوني المعرفي والثقافي، فأنا قارئة نهمة، وأستمر بهذه العادة بحب الإطلاع والبحث حتى بعد انتهاء العمل، كما أنني أبحث كثيرا على النت وأسأل الناس، و أشاهد أفلام السينما وأعمال الفن التشكيلي. كل ما سبق حيث لدي ذائقة فنية ومعرفية وأساس قوي أسعى لتغذيته طوال الوقت بالمزيد من الإطلاع.

• برأيك ما أسباب نجاحك وتميزك في أعمالك؟

ربما أهم أسباب النجاح، لأنني بدأت عملي بشغف كبير ولازلت أقدم من روحي في عملي، عدا عن أنني مازلت أمام أي عمل أشعر برهبة العمل الأول وأتعامل بكل جدية وحب ولا أستسهل أبدا. هذا وهناك شيء مهم هو أنني أتعامل مع عملي والفريق العامل بطريقة جدا مُحبة، ولا أتعالى على الاثنين، بل اهتم بالتفاصيل وأحب أن يكون الممثلون مرتاحين في أزيائي، وأخلق جوا من البهجة والطاقة الإيجابية. هكذا كي أتمكن من الاستمرار في هذا العمل الصعب.

• لنعود للماضي قليلاً.. تأثرك بالمرأة السورية هو الذي دفعك لتصميم الأزياء، وماذا عن تشجيع الأهل لك؟

لطالما كانت المرأة السورية امرأة خلاقة ومبدعة، عدا عن كونها أنيقة وذات ذوق رفيع. هذا ومنذ العصور القديمة اشتُهر القماش السوري والأصبغة السورية، وأنا حاولت أن أبقى وفية للروح السورية الخلاقة التي لطالما أبدعت من أبسط الأشياء. وبالطبع ساندني الأهل فنحن أسرة مهتمة بالثقافة والفن منذ أن كان والدي رحمه الله أستاذا في الجامعة، حيث علمنا أن نحب الكتاب وأن نعمل بإخلاص وبهمة عالية.

• على سيرة الكتاب صديقك…. لقد دونتي على حسابك الشخصي عبر الفيسبوك، الطريقة التي تحرسين فيها مكتبك… ما رأيك بما يتعرض له الكتاب الورقي بمواجهة الالكتروني… وهل تحبين الأخير؟

يحزنني جدا ما يحصل للكتاب الورقي من حيث التراجع الذي يصيبه في العالم كلّه لمصلحة عالم الانترنت والتكنولوجيا. وأنا سأبقى أحب الكتاب الورقي فرائحة الورق تغويني وتشعرني بالطمأنينة والدفء، وحتى عندما يُعرض عليّ عمل فني، أطلب منهم أن يرسلوا لي نسخة ورقية من السيناريو، طبعاً اضطر لقراءة النص عبر الإيميل، وخاصة عندما أعمل لجهة إنتاجية خارج سوريا، لكن برأيي المطالعة بالكتاب الورق، هي دم وحياة.

• كيف تتعاملين مع العصرنة في الأزياء وهل تبدي رأيك في ثياب من يحيطون بك؟

العصرنة لا تقتصر على الأزياء المعاصرة. يمكن أن أعمل على أزياء الخمسينيات مثلا بطريقة معاصرة، وهذا ما حاولت مقاربته في مسلسل سوق الحرير الجزء الثاني، وخصوصاً بأنّ الخمسينيات في أذهاننا بالأبيض والأسود، وأنا يجب أن ألونها وأبقى في حدود الإقناع، وبنفس الوقت أقدم رؤية عصرية للزي، بألوان مناسبة للعصر ووفق الرؤية الفنية .

أما الأزياء المعاصرة فقد صارت تحتمل آلاف الأفكار، وكلّها من وحي حياتنا و ظروفها ومآزقها، الأزياء انعكاس للحياة والبيئة وتعبير عن الحالة الإنسانية بكافة مناحيها، وهي حاليا تخدم تطور الحياة المعاصرة وحاجات الإنسان المعاصر التي صارت معقدة جدا وتختلف من مكان لآخر، لذلك وبكل صراحة لا أتدخل في أزياء من حولي، لأنني أعتقد بأنّ اللباس في الوقت الحالي وخاصة للإنسان السوري، هو فقط كماليات يحتاجها، لأنه يجب أن يرتدي ملابس، ولكن همومه هي في مكان آخر.

• أخيراً كلمة توجهيها للشباب السوري والعربي الذي يلهث وراء الموضة وصرعاتها عبر الماركات العالمية.

لا أعتقد أنّ الشباب السوري يحتاج كلمة مني أو من أيّ أحد متعلقة بالأزياء، لأنني أرى أنّ القليل جدا من الشباب السوري حاليا يلهث وراء الموضة، بل هو يلهث وراء لقمة العيش أو تأمين مستقبل لائق له ولأسرته. لهذا أختم وأقول له:(خليك بسورية وخلينا نحاول نعمرها) رغم كل الصعوبات، وبعد ذلك يأتي وقت مناسب كي نحكي فيه عن الأزياء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن