بعد بضع ساعات من انتهاء الاجتماع الأول بين اللجنة العسكرية التقنية العراقية ونظيرتها الأميركية في الخامس من حزيران 2021 في بغداد، والإعلان المبهم عن أن الجانبين «اتفقا على خطة عمل لتطبيق مخرجات الحوار الإستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة، وأن تنجز الخطة خلال جلسة المحادثات المقبلة التي ستعقد في بغداد أو واشنطن، في شهر تموز أو آب من سنة 2021، وسوف تتضمن آليات وتوقيتات محددة لاستكمال إعادة نشر القوات القتالية للتحالف الدولي خارج العراق». تجدد استهداف المواقع الأميركية في العراق، حيث استهدف (مركز بغداد للدعم الدبلوماسي) الأميركي بصاروخ كاتيوشا، وقاعدة عين الأسد الجوية بمحافظة الأبنار بطائرتين مسيرتين.
قوى المقاومة العراقية عبرت عن انزعاجها وعدم رضاها عن نتائج هذا الاجتماع الذي تضمن تسويفاً متكرراً من الإدارة الأميركية في وضع جدول زمني واضح لانسحاب قواتها من العراق، وذلك بتصعيد هجماتها على مواقع الجيش الأميركي في العراق لإرغامه على الانسحاب من البلاد بالقوة، مستخدمة أسلوباً جديداً حديثاً ومتطوراً، وهو استخدام الطائرات المسيرة المفخخة، الذي يُعد ثاني تحول في أسلوب عمل تلك القوى في غضون عام، حيث سبق أن أَدخلت قبلاً أسلوب مهاجمة أرتال الدعم اللوجستي التابعة لقوات التحالف في النصف الثاني من عام 2020 الذي كانت عملياته شبه يومية، فبالإضافة إلى استمرار قصف مواقع القوات الأميركية بالصواريخ، استهدفت أيضاً تلك المواقع أربع مرات بالطائرات المسيرة خلال شهر حزيران الماضي، وبأكثر من طائرة. ففي الـ27 من حزيران الماضي مثلاً، استهدفت مناطق في أطراف مدينة أربيل بالقرب من مبنى القنصلية الأميركية الجديد بأربع طائرات مسيّرة. وقد أدانت السفارة الأميركية في العراق في تغريدة لها «الهجمات التي استهدفت مناطق في إقليم كردستان، وتعتبرها خرقاً وانتهاكاً للسيادة العراقية»!. ولم يتبنَّ أي فصيل مقاوم مسؤولية هذه العمليات، كما لم تكشف الحكومة العراقية عن هوية الجهة أو الجهات المستخدمة لهذه الطائرات التي سمتها بالجماعات «الخارجة عن القانون»، بينما اتهمت واشنطن فصائل مسلحة تابعة لإيران بالوقوف وراء تلك الهجمات.
على الرغم من أن العملية الأولى لقوى المقاومة العراقية باستخدام الطائرات المسيرة خلال شهر حزيران الماضي كانت استهداف قاعدة عين الأسد الجوية بمحافظة الأنبار بطائرتين مسيرتين في الـ6 منه، إلا أن استخدام أسلوب الطائرات المسيرة المفخخة في العراق، سُجل لأول مرة في الـ15 من نيسان 2021 حين استهدفت إحدى المباني في مطار أربيل بإقليم كردستان التي تبين مؤخراً أنها حظيرة طائرات تابعة لوكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA) داخل مجمع المطار! ملحقة بها أضرار مادية جسيمة، من دون الكشف عن سقوط قتلى أو جرحى.
الطائرات المسيرة المفخخة تُعد تحولاً مهماً في عملية استهداف القواعد العسكرية الأميركية، وهي تُشكل تحدياً كبيراً من الناحية العسكرية للقوات الأميركية المحتلة، فهي أخطر من صواريخ الكاتيوشا لأنها يمكن أن تصل لأي مكان، كما أنها تشكل معضلة كبيرة أمام أنظمة الدفاع الجوي، فالعراق ليس لديه «أجهزة اكتشاف وسيطرة على الجو ولا منظومة دفاع»، هذا على حين لم تخف الإدارة الأميركية قلقها «من تزايد الهجمات بطائرات مسيرة ضد مصالحها في العراق»، الأمر الذي «استدعى مخاوف مماثلة لدى قيادات التحالف الدولي» وفق صحيفة الـ«واشنطن بوست» الأميركية، لافتقارها إلى معدات فعالة لمواجهة هذه الطائرات، غير المتوافرة في العراق، ما ضاعف قلقها من هذه المنظومة.
برنامج (مكافآت من أجل العدالة) التابع لوزارة الخارجية الأميركية، قال في تغريدة له في الـ10 من حزيران الماضي: إنه «يهاجم إرهابيين جبناء من البعثات الدبلوماسية الأميركية في العراق»، مقدماً «مكافأة تصل إلى 3 ملايين دولار لمعلومات عن هجمات مخطط لها أو سابقة ضد المنشآت الدبلوماسية الأميركية».
القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي، وباستثناء اتهامهما لما تسميه «الفصائل المسلحة الموالية لإيران» بمسؤولية استخدام هذا التكتيك القتالي الجديد، لا يملكان أي معلومات عن طبيعة هذه الطائرات أو أي أدلة على من يشغلها حتى الآن.
إن إصرار المحتل الأميركي على إبقاء قواته في العراق بحجة أنها «موجودة في العراق بدعوة من الحكومة العراقية» لا صحة له. ففي الـ5 من كانون الثاني 2020 ألزم المجلس النيابي في قرار له الحكومة العراقية بإلغاء طلب المساعدة المقدم منها إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، والالتزام بإنهاء وجود أي قوات أجنبية على الأراضي العراقية.
قوى المقاومة التي أعدت نفسها لجميع التحديات والاحتمالات، حاضرة للرد على الرد، وهي لن توقف عملياتها حتى تدرك الإدارة الأميركية أن لا جدوى من بقائها في العراق وسورية، وسترغمها على رفع الراية البيضاء. أراهن على ذلك.