الدواء.. بالأحلام !
عصام داري :
قد يروق لنا الهروب مما نحن فيه إلى حلم جميل ساحر ننسجه من بنات الخيال ونعيش فيه برهة قبل أن يوقظنا منه كابوس مرعب اسمه الواقع اليومي.
مع ذلك، نعيش لحظات بعيداً عن ذلك الكابوس، نشعر براحة مؤقتة، لكنها بطبيعة الحال راحة من نوع خاص، هي من صنعنا نحن، ونحن وحدنا من يعيش تفصيلاتها الجميلة الرقيقة لأنها تشبهنا ولا تشبه عالماً فرض علينا بكل سوءاته وعيوبه وقسوته وتوحشه.
أشعر أحياناً أن الدنيا من حولي تميل إلى اللون الرمادي، الضباب يلف عالمي والكآبة تتسلل إلى نفسي وروحي فأدرك أنني حزين، وفي الوقت نفسه أشعر بسعادة لا محدودة، لأنني قادر على الخروج من هذه الحال بدواء سحري ابتكرته، إنه الحلم، فصارت حياتي مجموعة أحلام تتخللها مجموعة كوابيس، وحقائق صادمة.
أحلامنا نوع من المسكنات التي تهدئ النفس وتفرمل اندفاعاتنا نحو هاوية اليأس، تنقلنا من عالم فولاذي الملامح، عصبي القرارات، مزاجه على مقاس الموت والحروب والدمار، إلى عالم من حرير وأزاهير وعطور وعصافير.
في هذا العالم نصنع حبيبة، نتخيل صبية معجونة بالرحيق والحليب والشهد، مسروقة من حكايا الجدات والساحرات والجنيات وعلاء الدين ومصباحه السحري، ننشد القصائد تحت شبّاكها المختبئ خلف سور من الياسمين والورد الجوري الأحمر القاني.
من هذا المهدئ السحري، من الحلم أستمد قوة إضافية كي أستطيع مواجهة الحياة القاسية الظالمة التي لم تعرف العدالة يوماً، اعتدت هذا المخدر وأدمنت عليه، إنه ينقلني دفعة واحدة من ظلمة اليأس إلى إشراقة أمل واعد، ومن جفاف القلب إلى بساتين من الحب تعزف المحبوبة لك على قيثارتها الناعمة لحناً لم تسمعه البشرية من قبل.
عند حدود اللحن والنغم والعازفة الحسناء، تتمنى الذوبان كالشمع بين أصابعها الخرافية، وتنهار كل جبهاتك أمام عينيها وصوتها، وسحر الأنامل، وترفع الراية البيضاء، إنه هو أول استسلام لذيذ في كل حروب البشرية على مر العصور، وأول نهاية لحرب يكسب فيها الجميع.
هنا، مع هذه الصورة الخيالية المصنوعة من خيال وحلم، تلوح البشائر في الأفق، فتشرق وجوه بعد عبوس وضباب وغياب، وتسرح نظرة نحو البعيد المجهول بانتظار ولادة المعجزة.
ومن بين حدائق الورد الشامي.. وشجيرات الياسمين ونجيماته البيضاء الرائعة لوناً وعطراً، تتفجر ابتسامة طال انتظارها، وآن وقت قطافها، وإني لقاطفها، حصاد سنوات طويلة بدا هزيلاً لا يرضي الطموح.. لكن موسم عطاء واحداً قد يعوض عقود قحط وجفاف.
وصفتي للمتعبين والتائهين، واللاهثين وراء سراب مبين، أن احلموا فبالحلم تقضون على نصف وقتكم ومشاكلكم وتعيشون روعة الإحساس بالسحر والجمال المفقود، أو ربما النادر، في عالمكم الواقعي الذي يغتالكم في كل يوم وثانية.
إنها وصفة مجربة وستعطيكم الشعور بالمتعة والاسترخاء، وتخفف عنكم عناء الأيام وغدر الزمان، وغياب العدالة وتحطم الميزان.
عالمنا بلا عدالة لنعترف بهذه الحقيقة لنريح ونرتاح، العدالة أكذوبة اخترعها الإنسان لسرقة وقمع وقهر أخيه الإنسان، وقولوا على العدالة السلام.