ثقافة وفن

أنا أكثر من 50% شاعراً … كفاح الخوص لـ«الوطن»: مشروعي مسرحي… والتلفزيون جزء من معادلة متوازنة

عامر فؤاد عامر :

حتى يحقق غايته في المشروع المسرحي أوجد معادلة متوازنة بينه وبين التلفزيون، وله عتبٌ كبير على السينما السورية التي تبتعد عن أشخاص من دون سبب وتقترب من آخرين، له حضوره المميز في أعمال دراميّة كثيرة منها: «حرائر»، و«بواب الريح»، و«حلاوة الروح»، و«عن الخوف والعزلة»، و«وشاء الهوى»، و«ربيع قرطبة»، وغيرها، وله مساحته القويّة في التجربة الكوميديّة مثل: «ضبوا الشناتي» و«حدود شقيقة»، وفي المسرح هو أحد الوجوه الشابة التي تواجدت على الخشبة المسرحيّة بقوّة منذ التخرج في المعهد العالي للفنون المسرحيّة في دمشق عام 2001 ويقول: «إنّ الجيل الجديد من المسرحيين اقترب من الجمهور أكثر لطرحه مواضيع تشبهه»، ومن أعماله في المسرح أيضاً: «العميان»، و«طقوس التحولات والإشارات»، و«في بار بشارع الحمرا»، و«تيامو»، و«حكاية بلاد ما فيها موت»، وغيرها الكثير. ومن الجدير بالذكر أيضاً أن صفة إلقاء الشعر المحكي ونظم القصيدة باتت من الصفات المرافقة لشخصيّته الفنيّة إضافة لكونه ممثلاً، ومخرجاً، وكاتباً.
الفنان «كفاح الخوص» وفي حواره لـ«الوطن» سنكشف معه مزيداً من أسرار شخصيّته الفنيّة.

معادلة كفاح
المسرح حاضر في حياة كفاح، ولكنه أحد أبواب معاناة الفنان في بلدنا، فإلى أي حدٍّ ينسجم «كفاح الخوص» مع هذه المعاناة بين مخرج، وكاتب، وممثل؟ وعن هذا السؤال كانت إجابته: «الحبّ وحده لا يكفي للحصول على النتيجة، يجب على الحبّ أن يقرن بالفعل، وإلا كان حبّاً منقوصاً، فحبّي للمسرح عمل أصبح متوازناً في حياتي من خلال عملي في التلفزيون، فأنا أعدّ التلفزيون بوابة للكسب المالي وبعدها أعود للمسرح والعمل فيه، ومن دون التفكير بما سأجنيه من العمل المسرحي. وأنا مؤمنٌ برسالة أنه حتى يكون هناك تغيير مرتبط بشخصيّة الفنان لا بدّ من قرب الجمهور من هذا الفنان، ومن الحالة التفاعليّة بين الفنان والجمهور، وهذا مالا يمكن تحقيقه عبر الشاشة التي يمكن قلبها بسهولة إلى غيرها. هذا التوازن لا يمكن وصفه بالمعاناة فحالة التوازن هذه تدعم مشروعي في المسرح الذي هو الأساس».

ملاحظات العمل المسرحي
يعدّ الفنان «كفاح الخوص» أحد الشباب الفاعل في التجربة المسرحيّة في سورية، فما ملاحظاته على فترة السنوات الخمس؟ وعلى تطورها وتفاعلها بين ما قُدّم وما يرتبط بإقبال الجمهور على العروض المسرحيّة: «أوّل معرفتي بالمسرح القومي في دمشق والمحافظات السورية وجدت أن المسرح بعيد عن الناس، بدليل أن الجمهور مؤلف من 20 إلى 30 شخصاً فقط، لكن من 5 سنوات إلى اليوم أجد أن الجمهور يُقبل بكثافة متزايدة على المسرح، ومن الممكن أن سبب ذلك هو طرح مواضيع تشبه هذا الجمهور أكثر، فنحن لدينا مشكلة أساسية ويجب على الفنان أن يحدّث نفسه، ويتفهم ما يهتم به الجيل الجديد، واختلافاته عن الأجيال التي سبقته، وهناك مجموعة كبيرة من الفنانين عملوا خلال السنوات الخمس ليكسروا الحاجز بين الجيل الجديد والمسرح ليزداد الحضور تدريجياً، واليوم نعلم بأن المرء يحتاج أن يحجز قبل وقت ليتمكن من حضور مسرحيّة تقدّم على خشبة المسرح، فقد بدأنا نقترب من الجمهور ونعكس شيئاً من وجعه، وفي الفنّ لا يوجد قاعدة يمكن المشي عليها، وهذا ما أخطأ به النقاد الكبار لدينا، فلا ركائز وقواعد ثابتة، فالمسرح تطور عالميّاً عبر كسر القواعد، وهذا ما يذكرنا بكسر القواعد في كتاب «الشعر» لدى الفيلسوف «أرسطو» وولادة المسرح التجريبي، والجيل القديم لم يحدّث نفسه في هذه الفكرة، فعلق في لحظة لا تشبه الجيل الجديد، وعلق في مكان لم يتمكن من الخروج منه، والهدف من النقد تقديم حالة الفائدة لصاحب العمل؛ أمّا لدينا فكان لا يخلو من الشخصانيّة، بالتالي لا فائدة من النقد المسرحي والعمل فيه. واليوم أتمنى أن يرى الناس في الخارج ما نقوم به ونقدّمه في الداخل على الرغم من آلية المؤسسات القاسية التي تقف عائقاً أمام العمل الفني، فخلال السنوات الخمس كانت العلاقة بيننا وبين الدول الأخرى صعبة وتعاني من مشاكل كثيرة في السفر، وهذا ما لامسته في تقديم عرض «حكايا» في لبنان، فمن جانب أحبت الناس والجالية السوريّة هناك ما قدمناه، ولكن كلّ ذلك كان بصعوبة بالغة جداً».

لغة التعاون
من ميزات الفنان «كفاح الخوص» لغة البناء مع الطرف الآخر في التمثيل والإخراج، فإلى أي درجة ينجح ذلك معه؟ وهل يمكن تطبيق هذه اللغة عندما يكون كاتباً للعمل؟ وحول هذه الفكرة والملاحظة يتحدّث: «عندما أكون مخرجاً– مع ملاحظة أن كلّ الأعمال التي أخرجها هي من كتابته – فالنص يحمل وجهة نظر شخص واحد؛ بالتالي سأكون أكثر معرفة بنقاط ضعف العمل، فلا يمكن أن امتلك منطقاً متكاملاً في ولادة عمل كامل، ولاسيما أنني أكتب بارتجال، فالشخصيّات يشبه بعضها بعضاً، وبالتالي مشاركة الآخر ضروريّة ومهمّة، لأنّها ستقدّم إضافة مختلفة عن التي لدي، وأحبّ سماع هذه الاقتراحات وكثيراً ما اهتم بها، لدرجة أنه من الممكن نسف كلّ ما بنيته والعودة من جديد لبناء منطق الشخصيّة التي نعمل عليها بصورةٍ مشتركة، فعندما أشارك الآخرين رأيهم يبدو الموضوع وكأنني أشاركهم الرؤية من أربع جهات مثلاً، لكن عموماً اعتمد طريقة في العمل كله هي: الهدم والبناء من جديد، ولو كان العرض بعد يوم واحد فقط، والمهم أن يقتنع الممثل بما يقدم، ولدي قاعدة بأنّه في المسرح لا يمكن إصلاح شيء بل يجب هدم كلّ شيء وإعادة البناء ليكون سليماً ومعافى. أمّا عندما أكون ممثلاً – الأمر يختلف كليّاً هنا – فالقيادة ليست لي بل للمخرج، وهنا عليّ الإصغاء له حتى النهاية. أمّا في حالة الكتابة، فالحالة تقتضي مزيداً من الأنانية، فلا حاجة لسماع الآخر إلى أن ينتهي العمل.

تشريح كفاح الخوص
50% من شخصية الفنان «كفاح الخوص» الفنيّة لها علاقة بمنطق الكلمة المحكيّة، والإلقاء الشعري، و50% المتبقية هي شخصيّة الممثل للمسرح والكاميرا، وعن هذه الفكرة وإلى أي حدّ كان للبيئة تأثير في تكوينها يجيب: «أعتقد أن نسبة الشاعر فيّ أكثر من 50%، لأنّني مشغول دائماً في القصيدة والتأليف، والبيئة أثرت فيّ كثيراً، ومحبّتي لجدّتي هو ما جعلني على هذه الحال، فلديها تاريخ شفوي كبير جداً، وحفظت الكثير من القصائد «القراظيات» المؤلفة من 400 -500 بيت من الشعر، وكانت جدتي تحفظ الزجل والشعر والمواويل، فتروي كثيراً من التواريخ القديمة والحديثة بهذه القوالب، وما زلت أذكر حوادث كثيرة منها كحرب تشرين التحريريّة، وما عكس ذلك على الناس حينها. وأيضاً في بيئتي التي نشأت فيها «الزبداني» دائماً نسمع الجزل في حياتنا في مناسبات الحزن والعزاء وفي الفرح والعرس، وفي مركبات النقل سيستمع المرء للحفلات المسجّلة وللقصائد، ولدى النساء هناك من يغني ومن يندب، ومن يقول قصائد الكبير والصغير يفهمها ويتناقلها، حتى في الزيارات هناك من ينقل هذه العبارات من الأمثال والحزورة، فهناك وجود للشعر المحكي وبكثافة في حياة أهل الريف وليس فقط في الزبداني. فالقصيدة حاضرة في حياتي فعلاً وهاجس تكوين القصيدة دائم لدي».

أين السينما؟
من الملاحظات التي تطرقنا إليها هو عدم ذكر الوسائل الإعلاميّة لمشاركات الفنان «كفاح الخوص» في السينما وأسباب ذلك كانت في الإجابة التالية: « السبب الرئيس أنه لا سينما لدينا، وقد شاركت في فيلمين فقط وهما غير سوريين الأوّل فيلم طويل من إنتاج إيراني « الزيتون المكسور» للمخرج «محمد دوغمنش» وتمّ تصويره في منطقة الدويلعة في دمشق، والفيلم الثاني طويل أيضاً ومن إنتاج فرنسي بعنوان «ابتسامة حسان» للمخرج «فريدريك ديغول»، وقد تمّ تصوير الفيلمين في العام 2002. أمّا في السينما السوريّة فلا حضور لي ولم أتمكن لليوم من دخول الدائرة، ولدينا مشكلة في آلية العمل المؤسساتي فأنا لا أعلم متى يمكن أن يبدأ الفيلم ومتى ينتهي فلم أدخل لدائرة العمل في السينما إلى اليوم، ولم أتلق أي دعوة من أي فيلم سوري، ولم أصرّح يوماً أنني ضدّ السينما السورية، ولا مشكلة بيني وبين أي مخرج سينمائي سوري. أمّا عن تجربته في الأفلام القصيرة فكان له أيضاً تجربتان وهما من خلال فيلم «سوء فهم» من إخراج وتأليف «مزنة الأطرش» والذي انتهى من تصويره مؤخراً، وفيلم «حبّ على عجل» من تأليف وإخراج «قتيبة الخوص».

إتقان الكوميديا
يفاجئنا الفنان «كفاح الخوص» بمقدرته على إتقان الدور الكوميدي، فكم يمتلك من جرأة لاقتحام هذا الميدان، وهو أحد الألوان الصعبة في العمل الفني، وعن ذلك يتحدّث: «لا تصنيف للممثل أولاً، وكلّ الناس ممكن أن تكون كوميديّة، وما يدعو للضحك هو الخروج عن المألوف، ومعيارها الصدق والحقيقيّة، وهناك كثير من المدارس الكوميديّة فهناك الضحك على مفردة، وعلى لهجة، وعلى تكرار، وعلى مبالغة في الصوت، لكن الأهم في الكوميديا هي «كوميديا الموقف» وكلّ هذه التقسيمات جاءت من الحياة لكنها جميعاً معيارها الحقيقة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن