الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تقمص شخصية السلطان المُستبد الداعم للإرهاب العالمي والحالم بأمجاد عثمانية، يواجه تحديات وفضائح داخلية ويستمر كعادته في اللعب على المحاور الإقليمية والدولية بنقلات سريعة ويعلن بوقاحة بتاريخ 2 تموز الجاري أنه موجود في ليبيا والعراق وسورية وأذربيجان وسيبقى.
على الصعيد الداخلي تتوالى فضائح أردوغان ومناصريه وما يعتبره أردوغان إنجازاً تعتبره المعارضة تخريباً؛ منذ مطلع أيار الماضي، ورجلُ المافيا التركية سادات بكر (Sedat Peker) يكشف بفيديوهاته تورط أردوغان وحزبه في تهريب السلاح إلى جبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الإرهابية في سورية بشاحنات للاستخبارات التركية وتهريب المعامل والمواد الخام من سورية إلى تركيا عبر شركات لصهر أردوغان.
الاقتصاد التركي بتراجع وانهيار السياحة لأدنى مستوياتها، وروسيا أكبر مصدر للسياح لتركيا، جددت الحظر على الرحلات الجوية لتركيا.
أردوغان وضع الحجر الأساس لمشروع قناة إسطنبول الذي يعتبره إنجازاً عظيماً بينما تعتبره المعارضة تخريباً ومشرعاً انتخابياً لمصلحة أردوغان.
يواجه المشروع اعتراضات من منظّمات البيئة والمجتمع المدني ويثير جدلاً حول تطبيق «اتفاقية مونترو» لمنع دخول سفن عسكرية أميركية كبيرة إلى البحر الأسود، ما يثير قلق موسكو.
على صعيد اللعب على المحاور الخارجية الخلاف الأميركي التركي دفع أنقرة لإعادة التموضع مع صعود الصين وروسيا، من منطلق تكتيكي، بتنمية علاقاتها مع موسكو وبكين بهدف اللعب على حبال المحاور كما اعتاد أردوغان، مخطط الإدارة الأميركية بعد انسحابها من أفغانستان، يقضي بوجود القوات التركية لحماية مطار كابول أي أن دور تركيا في أفغانستان سيكون دور «كلب الحراسة» لحلف الناتو، استطلاع لحلف الأطلسي يشير إلى أن 75 بالمئة لا يثقون بـتركيا كشريك أطلسي.
أردوغان ومنذ عام 2011 يدعم المجموعات الإرهابية التي استهدفت سورية والعراق وليبيا ثم انتقل إلى القيام بعدوان عسكري مباشر بقواته نحو الأراضي السورية لدعم مرتزقته الإرهابيين كما تتحكم تركيا بمياه دجلة والفرات وتقطع الماء عن مدينة الحسكة، كجرائم إنسانية.
أردوغان هو حاضن الإرهاب وراعيه، وإدلب تحولت إلى أخطر تجمع للإرهابيين في العالم، بالمقابل أردوغان فجر أزمة مع إيران، وبحضور الرئيس الأذري علييف، ألقى كلمة بمناسبة الانتصار على أرمينيا ضمّنها بيت شعر من قصيدة لشاعر أذري، عن نهر أراس على الحدود بين إيران وأذربيجان، ما عدّته إيران استهدافاً لوحدة أراضيها وكان احتجاجها شديداً.
إن عبور أردوغان ومرتزفته البحر المتوسط نحو ليبيا، هو اعتداء على دولة مستقلة، داء جنون العظمة قد دفع أردوغان إلى دعوة أذربيجان لتشاطر تركيا احتلالها لأجزاء من ليبيا، من دون أن ننسى محاولات أردوغان التقارب مع مصر وإبعاد الإخوان المسلمين لكن محاولاته هذه بقيت كمحادثات استكشافية كما قال وزير خارجية مصر، كما لا ننسى أيضاً أطماع أردوغان بغاز مياه شرق المتوسط.
العلاقات الروسية التركية مرت بمطبات خطرة لكن حكمة الرئيس فلادمير بوتين شكلت صمام أمان وفي أعقاب دخول روسيا إلى سورية 2015 عمدت تركيا أردوغان وبطلب أميركي إلى إسقاط طائرة السوخوي الروسية، بوتين اتخذ إجراءات عقابية قاسية ضد تركيا وقدم أردوغان اعتذاراً رسمياً.
أردوغان ابتعد شكلاً عن الغرب وطور العلاقات السياسية مع موسكو على حساب علاقاته الغربية وأدخل الصواريخ الروسية «إس 400» إلى واحدة من حواضر حلف الـ«ناتو» من الرقصات المُثيرة للانتباه «التانغو» المعقد بين روسيا وتركيا، وعلى مسرح إدلب السوري تتهم موسكو تركيا بأنها لم تفِ بالتزامها بمكافحة «جبهة تحرير الشام» المتفق عليها في سوتشي 2018.
الخلافات الأخيرة أنهت «شهر العسل» بين تركيا وروسيا، وأعادت «الابن الضال» أردوغان للبحث عن العودة إلى واشنطن.
أردوغان ابتعد شكلاً عن الغرب زادت الأمور تعقيداً بعد محاولة الانقلاب في تركيا 2016 متهماً فيها أميركا.
القمة الأميركية التركية التي عقدت بين الرئيسين جو بايدن وأردوغان على هامش قمة حلف شمال الأطلسي، اعتبرت «قمة باهتة»، من دون نتائج تذكر.
المطالب الأميركية من أردوغان أبرزها؛ إلغاء اتفاق منظومة الصواريخ «إس 400» مع روسيا، والموافقة على دور سياسي للأكراد في الدستور السوري الجديد، ما يعني أن رقصه على الحبال يتطلب مهارات أكبر للرقص على الحبل المشدود بين موسكو وواشنطن.
خلصت وزارة الخارجية الأميركية في تقريرها بشأن الاتجار بالبشر للعام 2021 إلى أن تركيا قدمت دعماً لفصيل السلطان مراد الإرهابي في سورية، لأنه جنّد أطفالاً كجنود، وأدرجت تركيا على القائمة السوداء، ما سيزيد العلاقات بين أنقرة وواشنطن توتراً.
المفارقة، تحتاج واشنطن لبقاء تركيا في اللعبة السورية، كي لا تنفرد موسكو بتقرير ميزان القوى، بالمقابل رغم انتظامه في منظومة أستانا استمر أردوغان باللعب على الحبال في حركة زئبقية لا تستقر على موقف، ونجحت روسيا في امتلاك مفاتيح إدارة الملفات الساخنة والمعقدة في المنطقة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ويبدو أن تقييماً روسياً جديداً للعلاقة مع أنقرة يرى في تركيا خطراً على المصالح الروسية إضافة إلى عزم تركيا تزويد أوكرانيا بطائرات مسيّرة، فباتت تركيا قلقة من تصريحات القادة العسكريين الروس في سورية، مع إقدام روسيا على تعزيز وجود قطعها البحرية في سورية، إضافة إلى تزويد الجيش العربي السوري بأحدث الأسلحة المتطورة تمكنه من دحر التنظيمات الإرهابية في إدلب.
يبدو أن أردوغان فضل الاستجابة لرغبات أميركا الهادفة إلى محاصرة روسيا، الأمر الذي سيجعل روسيا تتصدى للإرهاب المدعوم من تركيا في سورية وانتزاع أوراق الحزام الأمني التركي في سورية. ربما تقرر روسيا إشهار البطاقة الحمراء بوجه أميركا والناتو إعلاناً بانتهاء زمن التوازنات على حساب الدولة السورية والمؤثرة على أمن روسيا.
لقد وصل أردوغان إلى مفترق طرق لم يعد ممكناً اللعب كثيراً على الحبال، وعليه تحديد الخيارات، إما دولة إقليمية مستقلة تبحث عن مصالحها، واحترام مصالح جيرانها، أو العودة إلى دور «كلب الحراسة» الذي يتطلع إليه أردوغان، وهو يرقص على حبال محاور إقليمية ودولية بنقلات سريعة، والحبال تهتز بشدة، ويلعب بلا شبكات حماية جدية تتلقف الساقطين نحو حتفهم.