من دفتر الوطن

المكتوب على الجبين!

| عصام داري

شعرت بضيق تنفس شديد بعد لحظات من انقطاع التيار الكهربائي، وكاد أن ينقطع معه نفسي، بادرت حرمنا المصون لإجراء الإسعافات الأولية فرشّت الماء على وجهي وخففت من ثيابي وخاصة حول العنق، لكن لم تفلح محاولاتها لقلة خبرتها الطبية، فاستنجدت بالجيران، وكان بينهم طبيب نسائي فاعتذر لأن حالتي ليست ضمن اختصاصه!
ودخل الجيران الأبعد قليلاً ومدير الأمن والمحافظ «وأنا أعيط» عفواً أعجز عن التنفس، فحضر وزير الكهرباء ومعه ورشة محترمة لإيصال التيار الكهربائي إلى قلبي الضعيف، فطلبت منه تخفيف التقنين عن حينا بالكامل، أو عن بيتي على أقل تقدير، فوعد خيراً، فقلت أريد وعداً خطياً، فقال أعدك أن الأحوال ستتحسن إذا بقي في الحكومة القادمة!
بعد لحظات دخل وزير النفط ومعه صفيحة بنزين أوكتان عالي الجودة وأسطوانة غاز خرجت للتو من المصنع مختومة وممهورة بخاتم الوزارة وموقعة من كبار الموظفين، وأنا أعيط.. وأعجز عن التنفس!
باختصار لم تنفع كل المحاولات بما فيها إعلان وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك أن أسعار اللحوم ستتراجع لتصل إلى مستوى أسعارها قبل عشرة أعوام، هنا صدرت مني شهقة بلغ صداها كل الأفران وصالات السورية للتجارة، و.. رحلت من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة!
فرحت كثيراً عندما خرجت من هذه الدنيا بيسر وسهولة ومن وراء ظهر الحكومة، ومن دون استخدام البطاقة الذكية.
بلغت مكاناً غير مألوف بالمرة، عبارة عن مساحات هائلة من السهول والسهوب تتخللها غابات كثيفة وجبال شاهقة لا يطالها النظر، فرحت أتجول في هذا العالم الغريب، والمدهش أنني وجدت أمامي سلالاً من السكاكر والشوكولا والحلويات التي لم يرها ولم يتذوقها إنسان من قبل، فصرت أتناول هذه الحلويات بنهم لأنه منذ عشر سنوات لم يدخل بيتي كيلو نابلسية أو مدلوقة، واكتفيت بالحلويات التي يقدمها بعض المسؤولين في المناسبات الدينية والوطنية.
بل رحت أوزع تلك السكاكر والشوكولا والحلويات على المارة الذين شكروني وقالوا لي: والله تناولنا الكثير منه خلال الأيام الماضية، وبقيت على هذه الحال عدة أيام لم أستطع عدها، إلى حين نادى منادٍ أن على الدفعة الجديدة الراحلة من عالم الأرض الاجتماع في الساحة العامة للبدء بالخطوة التالية.
أفرحني الخبر جداً وقلت في نفسي: إذا كانت البداية هذا السيل من السكاكر والحلويات والمناظر الخلابة، فلا بد أن تكون الخطوة التالية أجمل وأروع وبالطبع أفضل.
وقفنا بالطابور، فتساءلت: ألم نتخلص من طوابير البنزين والغاز والخبز والمازوت في الحياة الدنيا حتى نعود إلى الطوابير من جديد؟
المهم وصلت عند بوابة ضخمة تتفرع إلى بوابات صغيرة، ولاحظت عن بعد أنه يتم توزيع الناس عليها وكل واحد ونصيبه!
عندما وصلت لحارس البوابة قال لي: أعطني أوراقك الثبوتية، فتلعثمت وعقدت الدهشة لساني، لكنني تمالكت نفسي وسألته: أي أوراق ثبوتية تريد، فجاوبني بسخرية: أوراق تثبت أنك مُتّ بشكل نظامي وبمعرفة الجهات الحكومية المعنية!!
هنا حلّ الإحباط عليّ وبدأت أتخبط، فقال لي فجأة: أكيد أنت سوري وكانت ميتتك غير نظامية، ودفعني إلى بوابة ضيقة جداً، ما إن تجاوزتها حتى انقطع التيار الكهربائي ووجدت ازدحاماً على الأفران وكل واحد يبحث عن بطاقته الذكية!
وكأنك يا أبا زيد ما غزيت، وأرى أن أعود إلى الحياة الدنيا ربما تنصلح الأمور في الجيل القادم!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن