ثقافة وفن

أسعد زكاري.. حيّ بفنه وإبداعه لا يموت.. زياد كامل لـ«الوطن»: تجربته فريدة ومهمة وهو جزء من الفن التشكيلي السوري

| سارة سلامة- ت: طارق السعدوني

أنا لم أولد في برلين أو باريس، أنا ولدت في دمشق، لذا يجب أن أعمل فناً يمت بصلة للبلد الذي أعيش فيه»، هذا أبرز ما قاله الفنان التشكيلي السوري الراحل أسعد زكاري، بتجربة وموروث مختلف، جعلته يرسم خطاً خاصاً بسيطاً وعفوياً وفي الوقت نفسه أنيقاً ومثيراً، وبالرغم من أنه خريج كلية الهندسة، إلا أن الرسم احتل عنده درجة الهوى والشغف..

كان يرسم ليبدع وتميز بالفن الشعبي الصعب الممتنع، تلون بألوانه، وأعاد قصة عبلة وعنترة لمرات كثيرة، تميز وإبداع كان لا بد أن يوثق ليبقى ذاكرة حقيقية لجيل كامل.

حيث شهدت قاعة الرحاب في فندق أمية تكريماً من نوع خاص، هو أشبه للتوثيق واسترجاع ذاكرة تشكيلية سورية عريقة. وبرعاية اتحاد الفنانين التشكيليين أقام زياد كامل ندوة عن مسيرة حياة وفن أسعد زكاري، بإدارة كل من «سعد القاسم، أكثم طلاع، وغازي عانا»، وإصدار كتاب خاص عنه، وعرض فيلم يوثق تجربته.

استوحى من الشرق

وبعد اطلاعه على سيرة الفنانين الكبار مثل ماتيس وبول كليه وغيرهم الكثير وجد أن أعظم الأعمال كانوا يستوحونها من الشرق وذلك من خلال زياراتهم المتواصلة للمغرب والجزائر ومصر وبما أنه مولود في دمشق تنبه إلى ضرورة العمل ضمن مجال البيئة التي عاش بها وتأثر بأعمال الواسطي وأبو صبحي التيناوي.

واختبر الطريق الواجب اتباعه من ضرورة تطوير الأرابيسك ومن هذه الناحية كان تأثره بالتجربة التي بدأها الفنان المصري سعد كامل وبدأ بعمل دراسات وتطويرها من هذا المنطق ومن ثم بدأ التحول نحو تطوير الفن الشعبي المحلي وذلك من خلال الرواسب والخبرة الطويلة التي مر بها وبالطرق الحديثة.

جزء من الفن السوري

وكشف زياد كامل أنني: «أعمل في مجال تجارة الفن بسورية، ومهتم جداً بنشر وتوثيق الفن السوري، ونستطيع أن نعتبر زكاري من الرواد السوريين أو من المعاصرين، إلا أنه فنان مغمور نوعاً ما، بسبب طبيعته ولأنه لم يعش في سورية إلا فترة قصيرة، درس في مصر وعاش بأوروبا وبفترة السبعينيات أسس غاليري في سورية باسم «أوغاريت غاليري»، لذلك أحببت أن أضيء على تجربة هذا الفنان من خلال هذه الندوة التوثيقية عنه، لأنه مهم ويعتبر جزءاً من الفن السوري ولديه تجربه فريدة وخاصة».

فنان مثقف ومطلع

بينما بين أكثم طلاع أن: «هذه الظواهر الثقافية جميلة وهي بدأت تظهر مؤخراً، موضوع مهم الاحتفاء بالفنان التشكيلي سواء كان راحلاً أم حيّاً، ويأتي هذا الاهتمام من قبل الأطراف العاملين في اللوحة، المسوق والمقتني ومن أهل الفنان، فزياد كامل مطلع على تجربة زكاري الكاملة واستطاع أن ينجز كتاباً موسوعياً كاملاً يشمل كل مراحل الفنان».

وأضاف طلاع إننا: «أمام منتج أكثر من 60 عاماً، كان يشارك في معارض فردية وجماعية.

وتعتبر تجربته تجربة واسعة وغنية قد تحسب له وتحسب عليه يعني إذا أردنا أن نتناول شخصيته في الفن شعبي نكون قد همشنا الجانب الأكبر وهو جانب اللوحة التي يطرحها متأثراً بالكثير من الفنانين العالميين، يبدو أن زكاري فنان مثقف ومطلع على فنون الآخرين أيضاً هو من خارج الإطار المهني للفن التشكيلي مهندس أخذه حبه وشغفه للفن أن يمارس هذا المجال كهاو وكانت تجربته واسعة وغنية».

أداء متفرد

وقال الفنان بديع جحجاح إن: «الشيء الذي ساعد الفنان زكاري ومكنه من الأداء المتفرد في لوحته هو دراسته للهندسة بشكلها العام اختصاص هندسة مدنية، ولكن الهندسة أيضاً تحتاج إلى دراسة حجم الكتل والفراغات والعناصر وتشابكها مع بعضها فيخلق هذه الموسيقا، وأهم ما فيه أنه قال إنه لم يخلق في باريس ولا أميركا وإنما خلق في دمشق لذلك يجب أن يقدم فناً يشبه دمشق».

وأضاف جحجاح إن: «زكاري هو جيل مختلف ويقدم مجموعته الفنية الخاصة به عنترة وعبلة بأسلوبية مميزة، كما أنني تشرفت بلقائه عدة مرات وتحدثنا عن الكثير من التفاصيل».

إنسان وفنان

وقال النحات غازي عانا إن: «زكاري فنان وإنسان لديه قيم مهمة فهذا الرجل هو إنسان عظيم وفنان نبيل بكل معنى الكلمة، ظُلم في حياته كثيراً، فهو لم يكن يحب الإعلام أو الظهور حتى عندما توفي لم يسمع به أحد، وهو أحد المؤسسين للمشهد التشكيلي السوري واشتغل بالفترة الذهبية التي كان فيها العمالقة وأثبت وجوده وحضوره وتميز بشكل كبير».

وأضاف عانا إن: «هذه الخطوة اليوم جميلة جداً في إعادة ذكراه، لأنه ليس معروفاً جداً بالحركة التشكيلية السورية مع أنه ضمن العشرة الأوائل في المشهد التشكيلي السوري، وقيمة العمل التشكيلي تأتي من عدة مقومات منها حالة الصدق التي يتعاطى فيها الفنان العظيم، ويتعامل مع لوحته بصدق عجيب ويحكي فيها عن مرحلته وتجاربه وفي مصر كيف عاش، حالة صدق كبيرة فيها الكثير من البساطة والعفوية، وتعتبر تجربته مهمة لأنه لم يختص فهو يتمتع بهامش حرية كبير واشتغل على كل المواهب والأساليب».

تجربة غنية ومتنوعة

ومن جهته بين سعد القاسم أن: «زكاري من الفنانين الذين لم يأخذوا حقهم إعلامياً وتعتبر تجربته غنية ومتنوعة وفيها أكثر من اتجاه، لكونه لم يكن موجوداً دائماً في سورية وكان يعمل بمجال الهندسة أكثر لم تستطع تجربته أن تأخذ مداها، كما أنه درس شبه دراسة خاصة للفنون، وحاول أن يستفيد من الرسم الشعبي والأهم من تجربته هو تسليط الضوء على التجربة شيء مهم خاصة أن هناك جيلاً كاملاً من الفنانين ذهب قسم من أعمالهم ولم توثق وبقوا مجهولين بالنسبة للأجيال الجديدة».

ذكي بصرياً

وفيما أفاد موفق مخول أن: «زكاري فنان مهم جداً وعلى ما يبدو كان لا يحب الشهرة ويشتغل أعمالاً لنفسه، وحاول في تجربته أن يحافظ على التراث، ويربطه مع المعاصرة والحداثة، ويتقيد بالحالة الدمشقية، هو فنان ذكي بصرياً جمع الأشياء مع بعضها بصمت، مهمتنا أن نعيد وننبش الذاكرة ونعرف الأجيال على المبدعين وهذه حالة مهمة، وخاصة أنني وقفت لدقائق أمام لوحاته وشعرت أنني أعرفه منذ 100 عام وهذه أهمية الفن التشكيلي أن يشدنا خلال ثوان».

تذكير الأجيال

وبيّن الممثل فايز قزق أن: «التذكير بالفنانين على اختلاف اختصاصاتهم شيء مهم جداً، ولنذكر أنفسنا أن هناك فنانين أحياء يستحقون أيضاً التكريم قبل أن يموتوا، أما الذين ماتوا يستحقون وجود تماثيل لهم بأماكن موجودة في الساحات والجامعات وفي بلداتهم وغاليرهات عملوا بها ربما، يجب تعريف الأجيال على أجدادهم، وأجدادنا حقيقة كهؤلاء من أمثال الفنان أسعد زكاري وفاتح المدرس والأحياء منهم ومن جيلنا كالدكتور أحمد معلا وغيره يجب التعريف بهم وهذا شيء جداً مهم».

مسيرة حياة

ويذكر أن الفنان أسعد زكاري ولد دمشق عام 1930، وأكمل دراسته الابتدائية في التطبيقات مع أوائل التوجه نحو فن الرسم بمساعدة أخيه «الفنان أحمد زياد»، والثانوية العامة في معهد اللاييك مع توجيه أستاذ الرسم الفرنسي آنذاك.

وحصل على بكالوريوس الهندسة المدنية من جامعة الإسكندرية بمصر عام 1958، وأثناء دراسته الجامعية كان يواظب على تمارين الرسم من الموديلات الحية لدى معهد «بيكلي»، الإيطالي بمدينة الإسكندرية وذلك بين عامي 1952- 1953، ودرس في التصوير الزيتي لدى مرسم «سيف وانلي»، بشارع برييره بالإسكندرية بين عامي 1953- 1956.

والحدث الأهم في سيرة أسعد زكاري كان يوم أقام معرضه الفردي الأول في المتحف الوطني بدمشق عام 1956، حيث أحدث صدى واسعاً في الوسط التشكيلي بفضل الروح الجديدة التي عبّر عنها في البحث عن أشكال أكثر حداثة، مع المحافظة على تماسك الخطوط ونقاء الألوان، وخاصة لوحة(العذراء) التي سبق أن عرضها في معرض الأصدقاء الثلاثة في الإسكندرية وحظيت باهتمام إعلامي خاص. ولم يشارك أسعد زكاري في المعرض السنوي حتى عام 1959 (معرض الربيع والخريف) ولقيت مشاركته الصدى ذاته الذي لقيه معرضه الفردي، حتى إن الكتاب الذي أصدرته وزارة الثقافة عن المعرض السنوي منذ تأسيسه عام 1950 قد أفرد مساحة خاصة لسرد سيرته الذاتية المختصرة ضمن ثلاثين مصوِّراً من أصل 148 فناناً شاركوا في المعرض منذ تأسيسه حتى ذلك العام.

توفي الفنان أسعد زكاري في 25 تموز 2020 إثر نوبة قلبية عن عمر 90 عاماً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن