ثقافة وفن

رسائل ميرنا إلى ألبيرتو إحياء لفن الرسالة … محمد سيفو يفتح أوراق الوجدان في إضمامة حب

| إسماعيل مروة

انتشر فن الرسالة عند العرب منذ القدم، ولكن أكثر أنواع الرسائل كانت الرسائل الديوانية الرسمية، أو الرسائل الإخوانية المتبادلة بين الأصدقاء والأدباء، والقائمة على التكريم والمشورة والمجاملات، وفي الأدب العربي الحديث وجدنا عدداً من الكتّاب الذين ينشرون رسائلهم الخاصة الوجدانية والعاطفية، سواء كان هذا النشر بأسماء مستعارة مثل رسائل الرافعي المسماة «رسائل الأحزان» و«حديث القمر»، أو رسائل مباشرة مثل رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان والتي تكلفت بنشرها بعد وفاته في دار الطليعة، وترافق فيها نموذج الرسالة بخطه إلى جانب الرسالة المطبوعة.

الحب الخالد

قلما نجد رسائل كتبها أناس فيما بينهم تجد طريقها للنشر، وخاصة ما يتعلق بالحياة الخاصة والوجدان والحب، وفي هذا الكتاب الذي نشره محمد مفضي سيفو بعنوان عريض: «رسائل ميرنا إلى ألبيرتو» وعنوان يصنف هذا الكتاب هو «الحب الخالد» نجد نوعاً من البوح الطبيعي الذي يعيشه الناس في ساعاتهم وأيامهم، ويتعرض لأدق التفاصيل، وهذه الرسائل أقرب إلى يوميات في العشق والحب الباقي، أكثر من أنها رسائل حب يمكن أن تكون نموذجاً يتبع أو يؤخذ منه.

وقد اختار الكاتب عبارة فيها الكثير من الإيهام والذكاء: تجميع وتوثيق، فيظن القارئ أن هذه الرسائل قديمة ولها صاحبها، أو محققة أو مترجمة كما يوحي اسما متبادلي الرسائل ميرنا وألبيرتو ولكن مع الصفحات الأولى تعرف أن المؤلف نفسه هو صاحب الرسائل والمعني بها، وأن كاتب الرسائل هي حبه وحبيبته، والتجميع والتوثيق لا يتعدى أن يكون جمعاً لهذه الرسائل وإعادة ترتيبها زمنياً، وتنقيحها وجعلها مناسبة للنشر وصالحة للقراءة، وذلك من دون التدخل في بنية الرسالة النص كما يبدو ذلك من طزاجتها.

رسائل متبادلة

حين سئلت الأديبة الكبيرة غادة السمان: لماذا لم تنشري رسائلك إلى غسان كنفاني ونشرت رسائله فقط؟ كان الجواب بأن رسائله تحتفظ هي بها أما رسائلها فهي لديه ولدى أسرته، وهي مستعدة لنشرها لو حصلت عليها، لكن هذا الكتاب وعلى الرغم من أن صاحبي الرسائل ليسا من شهرة غادة وغسان إلا أن الكتاب حوى الكثير من الرسائل المتبادلة، فهناك رسائل منها، وأخرى رسائل منه هو، وفي هذا الجمع الكثير من الاحترام لعواطف الطرفين، وعدم الإدعاء بان هذا الطرف كان أكثر تعلقاً من الآخر، والثاني كان أكثر تمنعاً فالرسائل هي بوح مشترك انتهى لأن يصبح حباً خالداً حسب تعبير المؤلف، مع أنني كنت أتمنى لو عادت الأسماء الحقيقية إلى الرسائل بسبب التوثيق والتحقيق لتعطي صورة عن مجتمعنا العربي، دون أن تلوذ بأسماء غير عربية في محاولة للهروب من العواطف النبيلة التي فيها، ويمكن لهذه الرسائل لو حملت أسماءها الحقيقية أن تكون أكثر جذباً.

من الحلم إلى الواقع

حاول الكاتب أن يعرض بشيء من القصّ بدايات هذا الحب من خلال فيلم سينمائي تحضره المدعوة ميرنا، التي تتعلق بالرجل النموذج من خلال البطل، وهي لا تتعلق بالبطل الشخص، وإنما بالبطل النموذج وهنا تكمن الأهمية لتلتقي الشخص الذي تراه مطابقاً، وقد لا يكون كذلك.

«ذهبت فتاتنا مع رفيقتها في اليوم التالي إلى المدرسة وبينما كانتا تقفان أمام نافذة أحد الصفوف، إذ شاهدت الفتاة مدرساً يلقي درسه للطالبات وتعلق فوراً قلبها بصورة المدرس وأعجبها شخصيته، وقالت لرفيقتها: ألا يشبه هذا المدرس بطل الفيلم ألبيرتو؟ إنه هو بشخصه تماماً».

وتبدأ الحكاية وتبادر الطالبة تجاه أستاذها وهذا أمر طبيعي، لأن مكانة الأستاذ تمنعه من أن يكون مبادراً بسبب مكانته، وتبدأ القصة «هل عليّ» أن أبدأ؟

ويشب في قلبي حريق.. هل أخطأت عندما كتبت ألبيرتو أول مرة، وما بين 1963 و1968 يثبت الكاتب رسالتين ومئة من الرسائل المتبادلة، وكل رسالة من رسائلها مؤرخة، أما الردود فلا تحمل تاريخاً على الأغلب، مع أن بعضها حمل تاريخاً، وربما غاب ذلك التاريخ عن الرسالة الأصل، أو غاب لأمر ما.

بساطة الحياة والحب

تمثل هذه الرسائل بساطة الحياة وثقافة العصرـ الستينيات مسرحها، والكاتب لا يغير في النص ليجعله أدبياً عالياً خالصاً، بل يتركه على بساطته، فها هي كلمات أغنيات أم كلثوم وعبد الحليم حافظ في الرسائل المتبادلة: «لقد أصبحت يا أستاذي بالنسبة لي الماء، والهواء بل الشمس التي أستمد منها الدفء، أنت بالنسبة لي الحياة نفسها، واسمح لي أن أقول لك أنت لي.. أنت لي يا حبيبي:

لو كان بإيدي كنت أفضل جنبك
وأجيب لعمري ألف عمر وأحبك..»

ومن رسالة له يقول: «الاثنين كان ذكرى ميلادك، جوهر تلك الساعات المعدودة باب يفضي إلى إدراك جديد للمسرة مفهوم جديد للألم، وإطلاق جديد للحياة»..

ومن عذب رسائلها له: «لماذا لا أتلهف على أن أراك دائماً بجانبي، لماذا لا أشعر بالشوق لأن تكون بقربي، لماذا أطيل أيام الحرمان، لماذا لا نتعجل السعادة، والسعادة لن تكون إلا بين ذراعيك، أسعى للمشاركة الوجدانية والتعاطف والتعاون وتبادل الأماني».

«رسائل ميرنا إلى ألبيرتو» نموذج جميل لرسائل تبادلها متحابان ليس لغاية العشق وحده، ولم تتناول قضايا الوجدان وحده، بل كانت صورة للحياة الاجتماعية الغنية والعادات والتقاليد في المجتمع السوري، ونموذج مهم للعشق المبني على العاطفة والعقل لبناء أسرة سعيدة وتشكيل حياة جديدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن