ثقافة وفن

«المؤثرون» أشخاص في حقيقتهم وسائل تسويقية بحتة … يحصلون على مكاسبهم من الشركات العالمية بتزايد معجبيهم ومتابعيهم

| سوسن صيداوي

أن تكون صاحب تأثير على الآخر، وأن يتبعك الملايين بعدما أصبحت قدوة لهم ومثالاً يحتذى به، لأنك شخص قريب منهم ومحبوب، وأيضاً لأنك تظهر على طبيعتك وببساطتك في منزلك أو مشغلك أو في الحديقة…. إلخ، ومقابل هذا كلّه تحصل على ثروة كبيرة وتصبح مشهوراً، هل هذا أمر أقرب للخيال؟

لنقترب أكثر من موضوعنا مع استمرار انخفاض نسبة المشاهدة على التلفزيون، ومتابعة وسائل التواصل الاجتماعي عبر الشبكة العنكبوتية، أصبحت الإعلانات التقليدية أقل فعالية، ما دفع المسوقين ووكالات الإعلانات ووكالات العلاقات العامة، بالاتجاه نحو إستراتيجيات جديدة بجذب انتباه الجمهور عبر مستخدمي الإنترنت، من خلال أشخاص، يطلق عليهم تسمية مؤثرين في: اليوتيوب، الانستغرام، الفيسبوك، التويتر.

وهؤلاء المؤثرون أو (Influencers)، ظاهرتهم انتشرت عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وهم أشخاص يطبخون، يغنون، يعلقون على أحداث سياسية واجتماعية، وأصبحوا جزءاً من حياتنا اليومية، وهم موثوقون للملايين الذين يتبعونهم على وسائل التواصل الاجتماعي. ووظيفة المؤثرين الترويج للسلع والخدمات المتنوعة في الكثير من المجالات، وهو مجال مختلف تماماً عن الإعلان التقليدي، كما ويتلقون نسبة كبيرة من الأرباح مقابل الخدمات التي يقدمونها. وللحديث بقية في موضوعنا هذا.

سيف ذو حدّين

ما نتحدث عنه ليس المحتوى الإلكتروني، فالأخير مهما كانت طبيعته أو نوعيته ليس هو المهم، بل المتابعون عبر المواقع، فهم النقطة الفاصلة، فارتفاع عددهم هو الغاية بحد ذاتها، وكلما زادت النسبة زادت أرباح «المؤثر» نفسه -موضوعنا الأساس- والذين كانوا في الماضي من المشاهير: كالرياضيين، والمغنين، والممثلين….. إلخ. ولكن الأمر اختلف اليوم، فمواقع التواصل الاجتماعي قلبت الموازين وغيّرت القواعد، إذ أصبحنا نشهد شهرة عالمية لأشخاص عاديين وأقل من عاديين، حيث صنعوا قصص نجاحهم الخاصة، وخلال وقت بسيط ذاعت شهرتهم، وانضموا إلى لائحة المشاهير وأثرياء العالم، الأمر الذي دفع الشركات العالمية الضخمة، التواصل مع هؤلاء المؤثرين الصغار ومن يلتف حولهم من متابعين بالملايين، كي يكونوا وجوهاً إعلامية لها، فهم قادرون على تسويق منتجاتها في كل أنحاء العالم عبر منصات التواصل الاجتماعي، بعيداً عن الطريقة الإعلانية التقليدية القديمة، حيث تحوّلت الإعلانات من عملية «تمثيل» إلى إعلانات حية. ولكن هذه الظاهرة لا يمكن التهاون بها أبداً، سواء بأثرها في الأشخاص التابعين لهم، أو على الإعلام التقليدي، وحتى على المؤسسات المعنيّة بالعلاقات العامة والإعلانات والتسويق. فالإعلام تبدّلت معاييره واختلفت المقاييس، باتباع نهج جديد في وسائله قادر على استثمار مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ما حصل منذ أكثر من عشرة أعوام تقريباً، من خلال استخدام «معلومات» المنتسبين للمواقع، والتشجيع أكثر فأكثر على أن يصرّح الأفراد بميولهم ورغباتهم، وكسر حاجز خصوصيتهم، إضافة إلى أمور أخرى شديدة الدقة والذكاء ويصعب السيطرة عليها، وخصوصاً أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت متنفساً للناس في العالم عموماً والوطن العربي بشكل خاص.

وفي سؤال «الوطـن» عن الاهتمام الزائد بالمؤثرين في العالم هل هو أمر واضح كما في الدول العربية؟

أحد خبراء السوشال ميديا أوضح لنا قائلاً: «الاهتمام بالمؤثرين موجود في كل دول العالم، بل هو في تزايد مستمر، وأكبر دليل على ذلك أن هناك شركات كبرى تعتمد بخططها التسويقية بشكل كبير على هؤلاء إلى جانب المشاهير، قبل إطلاقها لمنتجاتها أو لمشاريعها الجديدة، فمثلاً دور الأزياء العالمية وشركات العطور وغيرها، تنظر إلى هؤلاء المؤثرين في خططها التسويقية، وتخصص مبالغ كبيرة كي يقوموا بتسويق منتجاتها المتعددة خلال ظهورهم على السوشال ميديا، وعلى سبيل المثال، لقد خصصت شركة بريطانية للدفع والائتمان، ميزانيات بالعالم العربي والغربي، كي تقوم بتوزيعها على الفنانين والمشاهير والمؤثرين الشباب. وفي مثال آخر يظهر بأن هؤلاء الأشخاص في حقيقتهم وسائل تسويقية بحتة. على التحديد في السنتين الماضيتين، وفي جائحة كورونا، فلقد اعتمدت بعض الدول الغربية عليهم في الترويج لحملات التلقيح للشباب، ومنذ فترة وجيزة انتشرت فضيحة لإحدى شركات التسويق، التي تواصلت مع بعض المؤثرين ودفعت لهم مبالغ مالية، مقابل أن يذمّوا بأحد ماركات اللقاحات ويمدحوا لقاحاً معيناً بذاته».

إذاً مع انتشار هذه الظاهرة في كل أنحاء العالم، يزداد الاهتمام الزائد بالمؤثر للكثير من الأسباب: أولاً لأنه يستطيع الوصول إلى الناس سريعاً، لطابعه القريب منهم ولكونه ينقل تفاصيل حياته اليومية إليهم. ثانياً الناس يتبعونه لأنه معروف ويمكن مراسلته وهو يشبههم وليس صعب المنال كالمشاهير. فهويته الحقيقية هي العامل الأول لمتابعته من الجمهور، وحول هذه النقطة يوضح خبير «السوشال ميديا» معظم المؤثرين يظهرون بشخصيتهم الحقيقية، والقليل منهم من يختبئ وراء أسماء مستعارة من باب الشهرة فقط، ولكن هذا الأمر لا يؤثر في نجاحه أو انتشاره بشيء، فالتعامل المادي من حيث الأرباح سيكون حتماً مع الاسم الحقيقي.

صفات المؤثر الناجح لا تخضع لمعايير ثقافيّة أو دراسيّة، هي تخضع فقط لبيانات بأرقام عدد المتابعين والإعجابات التي يحصلون عليها، ولكن وبالمقابل منهم من يصبح مؤثراً ناجحاً ليس بالصدفة، بل يكون قد اعتمد على دراسته أو مجاله في العمل، حيث يقدم معلومات مهمة مثلاً في مجال الطبابة أو الصيدلة أو الفنون، وعندما يجد متابعة جيدة عبر حساباتهم الشخصية لما يعرضه، هنا يقوم بتطوير الأمر لمصلحته، بتكثيف مقاطع الفيديو حيث تزداد المتابعات والإعجابات الأخيرة التي يكسبون منها الكثير من الأموال. وأخيراً هناك من المؤثرين من يقوم بشراء الإعجابات والمتابعات من حسابات أخرى، عبر ما يسمى بالتسويق المدفوع، كي يكسبوا مالاً أكثر».

عامل الجذب والكَسب

القضية ليست بالمتابعة، الاختلاف حول هذه الظاهرة عندما يذهب تأثيرها سلباً ليضرب بالشباب، فكما ذكرنا أعلاه، المؤثرون أشخاص قريبون من الناس، وفي أماكن معينة يكون التواصل معهم سهلاً، ما يولد رغبة لدى الشباب في التمثّل بهم وبتقليدهم لكون الإنسان بطبعه يميل إلى الظهور والتباهي، الأمر الذي يزيد من الإحباطات لهم إذا ما فشلوا وهم على الغالب سيفشلون.

هذا الأمر أوضحه خبير السوشال ميديا قائلاً: نتائج متابعة المؤثرين على الشباب واضحة التأثير بالسلب أو بالإيجاب، ولكن هذا التأثير يحدّده الشخص المتلقي بذاته، بمعنى إن كان الشخص مضطرباً نفسياً، فممكن أن يزداد الأمر سوءاً عليه بمجرد محاولة التقليد. وأيضاً إن كان الشخص المتابع يتمتع بوفر مادي، وقام بتقليد المؤثر وفشل أيضاً سيصيبه الإحباط. وحتى في حالة إن لم يتمكن الشخص من تقليد المؤثر الذي يتابعه ويحبه، بالحصول على المواد التي يعرضها فهذا الأمر محبط ومحزن أيضاً. بالنتيجة التأثير السلبي يقع على فئة الشباب الضعيفة والتي يكون شغلها الشاغل تقليد المؤثرين، فهذا يؤثر في حياتهم ودراستهم، وخصوصاً أن محاولاتهم أن يكونوا مؤثرين باءت بالفشل».

هذه الظاهرة اتخذت منحى جديداً، فالمهن التقليدية لم تعد جاذبة كالسابق، وفكرة اقتران الوجود الإنساني بفكرة «العمل»، وبذل الإنسان جهداً في الزراعة أو الصناعة، أو في تقديم خدمة ما، مقابل الحصول على أجر يومي أو شهري، لم يعد منطقياً أو فيه من الطموح والرغبة، مقابل المعايير المجتمعية الجديدة التي فرضتها ظاهرة المؤثرين، فاليوم أصبح الأمر واقعياً أن يظهر بين ليلة وضحاها شخص ما، ليكون من أثرياء العالم، من دون أن يملك مصانع أو معامل، لأن الثروة اليوم أصبحت للمؤثرين ولمالكي برمجة البرامج والتطبيقات، ولجامعي البيانات وتحليلها.

أما من حيث آلية التسويق التي يسهّلها «المؤثرون» على المسوقين، تكون بالتواصل مع المستهلكين وهم من المتابعين، من خلال تتبع مدى الوصول ومرات الظهور ونسب النقر إلى الظهور ومقاييس الجذب والعائد على المستثمرين، إضافة إلى فهم أفضل لاحتياجات العملاء وأولوياتهم.

وأخيراً عما إذا كانت هذه الظاهرة ستستمر.

ختم خبير السوشال ميديا حديثه لـ«الوطـن» طالما أن هناك شركات تدفع، وطالما أن العائد من الأرباح الكبيرة يذهب للمؤثرين، وطالما أن هناك شركات إعلامية وإعلانية تشجعها، وتشجع الأشخاص كي يقتدوا بهؤلاء المؤثرين ويكونوا مثلهم، فعلى الأكيد هذه الظاهرة ستستمر».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن