قضايا وآراء

الانتصار على الذات

| د. بسام أبو عبد الله

شكّلت الانتخابات الرئاسية السورية تحولاً مفصلياً تاريخياً في مسار الحرب على سورية، المستمرة منذ عشر سنوات، والتي استهدفت وتستهدف كل سوري وكل ما ينتمي لهذا الوطن، من قيم، ومبادئ، وتاريخ، وتراث، وبنى تحتية، وبناء نفسي، ووعي وطني، أي تدمير سورية، وتقسيمها، وتفتيتها، وبالتالي إنهاء دورها التاريخي ورسالتها، ووزنها النوعي وفقاً للعبارة التي استخدمها الرئيس بشار الأسد في أحد خطاباته.
الانتخابات الرئاسية أعطى من خلالها السوريون رسالة للخارج تقول إننا نحن أصحاب القرار في حاضرنا، ومستقبلنا، وهذه الصورة وصلت لمن يعنيهم الأمر في العالم، ولم يعلقوا لأن الصورة كانت كاسحة واضحة، ومع ذلك استمرت قوى العدوان بالضغط الاقتصادي والمعيشي، وإعادة تدوير أدوات الإرهاب الداعشي وغيره، لا بل وصل الأمر إلى حد تعطيش سكان محافظة الحسكة بكل وحشية من دون أن يرف جفن لمدعي الإنسانية.
– وإذا كانت رسالة السوريين في الانتخابات الرئاسية قد وصلت للخارج، فإن البعد الآخر لهذه الرسالة هي للداخل، أي إنها تفويض شعبي قوي، وثقة في مكانها للرئيس الأسد، وهو تفويض يعني فيما يعنيه مسؤولية هائلة، وكبيرة على أكتاف الرئيس، تضاف لكل ما تحمله طوال سنوات من ضغوط ضخمة جداً لما تسميه واشنطن «تغيير السلوك»، والأمر هنا لا تغيير فيه، ففي الظروف الأكثر تعقيداً من الآن حافظ الرئيس الأسد على صلابته، وحكمته، ومثل بكل اقتدار إرادة السوريين، وكرامتهم، وعزتهم، ولم يرضخ للمساومات في شأن السيادة والاستقلال، هنا لا يساور الكثير من السوريين القلق بشأن هذا الملف، لكن لا شك أن القلق ينتابهم في الشأن الداخلي، وإدارة الملف الاقتصادي- الخدمي المتعلق بقضايا المجتمع والناس، دون أن نغفل أبداً وبشكل موضوعي وعلمي، تأثير الضغط الخارجي، والحرب الاقتصادية على الأداء الداخلي، ولكن لابد لنا أن نعترف بوضوح شديد أن الأداء الداخلي لم يرتق أبداً إلى مستوى التضحيات الجسام التي قدمها شعبنا ومازال، للدفاع عن وجوده وبقائه.
هذا الأمر قد يرتبط بأمور عدة سأحاول أن أوجزها في هذه السطور القليلة منها:
– ما زال البعض يعتقد أنه يمكن استخدام وسائل وأدوات كلاسيكية في ظروف استثنائية، وهي قضية ترتبط بـ«منهج التفكير» الذي يجب أن يتغير.
– لا يزال البعض ينظر للدولة ومؤسساتها بمنطق المزرعة، وصاحبها، وليس بمنطق رجال الدولة، الذين يهتمون بالقضايا الكبرى، وليس الصغرى، والذين يضحون من أجل شعبهم، ليضمنوا مستقبلاً لأبنائهم وأحفادهم.
– لا يزال خطاب البعض يعيش في زمن مضى وانتهى، ولا يواكب الزمن الحاضر والمستقبل، إذ لم يعد بإمكان أحد أن يتحدث عن أمور غير قابلة للتحقيق والتنفيذ، بمعنى لابد من إطلاق البرامج القابلة للتنفيذ، والقابلة للقياس، ولو كانت صغيرة… وهذا أمر يرتبط أيضاً بـ«منهج التفكير».
– إن السلطة هي وسيلة، وليست غاية، أي هي وسيلة لتحقيق مطالب الناس، والتقدم بهم نحو الأمام، وبالتالي فإن النظرة للموقع العام يجب أن تتغير، أي إنه موقع لخدمة الناس والشعب، وليس مكاناً للمزايا، وبناء الثروات، وبصراحة تم اكتشاف شبكات فساد في بعض مؤسسات الدولة، يباع فيها الموقع العام، وهي أقرب لعصابات جريمة منظمة، أكثر منها شبكة مؤسساتية، وهي ظاهرة خطيرة جداً لابد من استئصالها.
– يعتقد البعض بعد تسلمه للموقع العام أن هدية هبطت عليه من السماء، وأن عليه أن يبني ثروته الخاصة بسرعة على حساب تعب شعبه وناسه، وهو أمر يجب أن ينتهي، فالرئيس الأسد قال في خطاب الشكر للشعب السوري بعد الانتخابات عبارة لافتة: «أشكركم على اختياركم لي لأكون خادماً لكم خلال السنوات القادمة»، أي إن فلسفة المنصب هذا هي جوهره لمن يريد أن يعرف.
إن هذه الأفكار التي ذكرتها هي أفكار فلسفية، ولكنها أساسية للمستقبل، وأساسية لنكون عوناً للرئيس الأسد في تحمل هذه المسؤولية التاريخية تجاه شعبنا وبلدنا، والانتقال لمرحلة جديدة في تغيير «منهج التفكير»، و«طرق العمل» قدر الإمكان، كي نتمكن من الحصول على نتائج معقولة في ظروف قاسية جداً، وصعبة جداً، فالجميع مدعو لتحمل مسؤولياته في المرحلة القادمة.
المرحلة القادمة هي مرحلة «الأمل بالعمل» وهي مرحلة يمكن أن أسميها «الانتصار على الذات»، أي الانتصار على العقبات، الانتصار على النفاق والكذب والرياء، التخلص من الرغبات، والانتقال للعمل الفعلي المنتج ذي الأثر على حياة الناس، وإذا كان غاندي قد لخص هذا الأمر بالقول: «كثيرون حول السلطة، قليلون حول الوطن»، فإن ما نريد أن نراه مستقبلاً «كثيرون حول الوطن من خلال السلطة» وهي مرحلة جد حساسة ومهمة.
الانتصار على الذات هو عنوان المرحلة القادمة، إذ إن الأعداء معروفون لنا، ويحاربوننا علناً، ولكن الأهم كما قال أرسطو: «من يهزم رغباته أشجع ممن يهزم أعداءه، لأن أصعب انتصار هو الانتصار على الذات».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن