اقتصاد

شدّوا الأحزمة..!

| هني الحمدان

إلى أي درجة بمقدور الذين دخولهم لا تكفيهم -وهم كثر- تحمل شد الأحزمة وضيق الحال..؟ بمعنى آخر إلى أي حد سيبقى المواطن المستهلك «المبدع» يبتكر حالات للتكيف والمواءمة معها؟ وهل حالة الاستمرار في إيجاد البدائل وتقييمها لسد احتياجاته ستسعفه.؟ وما هي الآليات المعتمدة عند الأغلبية الذين يستطيعون خلق التوافق بين ميزانياتهم ودخولهم، وما بين متطلبات وأسعار المعيشة والظروف الاقتصادية الصعبة…؟
أسر تكيفت مع الأحوال من خلال إعادة النظر في الميزانية والمتاح المتبقي من الليرات، من باب الضغط ولا مناص من ذلك سبيلاً، وكذلك الوعي بما يجري من متغيرات حصلت في كل الدول وما طال الأسعار من ارتفاعات، فشدت الأحزمة سلوكياً في مصروفاتها، ولكن على النقيض هناك أسر لم تكترث ولم تحس بما يجري من لهيب للغلاء وشدة بحالة التضخم وضعف للقوة الشرائية عند المستهلكين، فدخولها تمكنها من التبضع والشراء وقصد المطاعم وغيرها من أساسيات صارت عند الأغلبية كماليات لا لزوم لها..!
التقتير صار ثقافة مجتمعية، ولولا هذه الثقافة لحصل ما حصل، الطبخة الواحدة خالية الدسم تكلف اليوم ما بين خمسة آلاف وسبعة آلاف ليرة سورية، ولا تكفي إلا لثلاثة أشخاص، وأمام ذلك صارت ضمن برنامج أسبوعي وربما أكثر، بمعنى كل أسبوع طبخة فقط، وباقي أيام الأسبوع «تمشاية الأحوال» بالقليل والقليل جداً.. ومن هنا جاءت سياسة شد الأحزمة أو ربطها.. فالسياسة المتبعة اليوم عند الأسر التي لا تمكنها دخولها من العيش ضمن الحدود المقبولة هي التقشف في الإنفاق.. إلا أن هذا التقشف قد لا يصمد طويلاً أمام غول التضخم والغلاء الفاحش، صحيح قد يقول قائل إننا نمر في مرحلة زمنية صعبة من حيث الظروف الاقتصادية، وظروف كهذه تتطلب اللجوء القسري نحو الترشيد والتكيف مع الظروف والتحديات الثقيلة التي تواجه الحكومة والناس. يرى خبراء في الاقتصاد أن سياسة التكيف أو ما يسمى التقشف ما هي إلا إجراء مرتبط بتحديات اقتصادية غير اعتيادية ما يتطلب من الحكومة والمواطن على حد سواء تغيير السلوك الإنفاقي حسب المعطيات الحالية والمستقبلية، لا أن تأتي كل الإجراءات الحكومية ثقيلة على المواطن أولا، وتالياً يصبح هو الدافع الرئيس لكل تبعاتها وهنا تتعقد أحواله ويزداد بؤسه..!
أيها السادة.. إن شد الأحزمة كما يطلق عليه مع أوضاع كهذه يكون في كفاءة استغلال المال العام المتاح على مستوى الدولة والأسرة والمواطن، وذلك بالترشيد في الصرف على تكاليف المشاريع الحكومية على اختلاف أنواعها وأشكالها، إضافة للاستغلال الأمثل لكل الموارد المالية والبشرية المتاحة وتصويب اعوجاجات بعض خطوط الإنتاج لتعزيز الرافد الإنتاجي في النمو الاقتصادي.. فالحاجة اليوم ضرورية لمراجعة وحوكمة فاعلة لتنفيذ الأعمال والمشاريع وإصدار القرارات وفق معايير جودة عالية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن