ثقافة وفن

أحمد بهاء الدين صحفي في عصر متغير … اعجب إحسان عبد القدوس بمقالته الأولى فنشرها له مختصراً عشر سنوات من التدريب

| د. رحيم هادي الشمخي

بعد صراع مرير مع المرض، رحل الكاتب والصحفي البارز أحمد بهاء الدين (11 شباط- 1927- 24 آب 1996)، الذي أرسى دعائم مدرسة صحفية في مصر امتدت آثارها اليانعة إلى شتى أرجاء الوطن العربي الكبير، والصحافة التي اضطر إلى الابتعاد عنها، مرغماً، بسبب مرضه في أوائل التسعينيات، أعطاها من عمره نصف قرن من الزمن، وجعل منها منبراً لطرح آرائه الجريئة السياسية والاجتماعية والثقافية تلك الآراء الموضوعية التي التزمت جانب الإنسان العربي، بعيداً عن القيود الرسمية التي تكبل الكاتب العربي وبعيداً أيضاً عن الانفعالات وذلك عبر مقالاته وإشرافه على مؤسسات صحفية مهمة وعبر عموده اليومي في جريدة الأهرام.

وأحمد بهاء الدين، الصحفي القدير، كانت دراسة الحقوق أولى اهتماماته، فبعد تخرجه في كلية الحقوق عام 1946، عين في النيابة الإدارية، (1950) وبعدها في وزارة المعارف، ولكن حبه للصحافة وشغفه بها دفعه إلى تغيير مسار حياته تماماً، ومجلة (فصول) التي كان يصدرها محمد زكي عبد القادر، كانت أولى المجلات التي كتب فيها، وكانت تلك المجلة تعبر عن جماعة النهضة القومية، وبعد تفرغ محمد زكي عبد القادر لشؤون الجماعة تولى أحمد بهاء الدين مسؤوليتها وأضفى عليها صفات العقلية الوافرة وشجاعة الرأي والإصرار على الموقف.
بعد ثورة تموز 1952، بدأ (بهاء) يرسل مقالاته إلى مجلة روز اليوسف، وقد أثار أول مقال أرسله وكان عبر ميزانية مصر، إعجاب رئيس التحرير إحسان عبد القدوس، الذي لم يكن يعرفه آنذاك، ودفعه إلى نشره بدلاً من مقاله الأسبوعي مع تقديم حار له، ذلك التقديم الذي قال عنه أحمد بهاء الدين في ما بعد، إنه قد اختصر عليه عشر سنوات على الأقل، حيث ولد كاتباً كبيراً ولم يمر بمصاعب البدايات التي يمكن أن تقابل أي صحفي شاب، وفي عام 1953، احترف (بهاء) الصحافة وأصبح الرجل الثاني في روز اليوسف بعد إحسان عبد القدوس، ، وفي سنة 1956، حدثت النقلة الثانية في حياته، عندما اختير لتأسيس مجلة (صباح الخير)، التي أصبحت نموذجاً يصعب تقليده، وغدت المجلة، ومنذ تأسيسها، النبض الحار في الصحافة وتميزت بروحها الشفافة المحلقة التي جذبت إليها الكتاب والفنانين الشباب من أمثال الرسام حسن فؤاد وصلاح جاهين، وكان شعارها، للقلوب الشابة والعقول المتحررة، وبعد (صباح الخير) تولى (بهاء) رئاسة تحرير جريدة الشعب وفي عام 1959 اختير رئيساً لتحرير أخبار اليوم وفي عام 1964، اختير، وبقرار من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، رئيساً لمجلس إدارة الهلال ورئيساً لتحرير مجلة (المصور) التي أضاف إليها الكثير، وفي العام التالي أسندت إليه مهمة الإشراف على روز اليوسف إضافة إلى دار الهلال.
وفي أوائل السبعينيات، بدأت متاعب أحمد بهاء الدين مع الصحافة بسبب قلمه الجريء حيث أعفاه السادات من دار الهلال عام 1971 ثم أعفاه من الصحافة عام 1973، ولكنه وفي عام 1974، أعيد رئيساً لتحرير (الأهرام) التي ظل فيها حتى عام 1976، عندما اشتدت الأزمة بينه وبين السادات، إثر انتقاداته المستمرة لسياسة الانفتاح، مما اضطره إلى مغادرة مصر إلى الكويت ليعمل رئيساً لتحرير مجلة (العربي) حتى عام 1982.
بعد ذلك عاد أحمد بهاء الدين إلى مصر، كاتباً متفرغاً في الأهرام، يكتب عموده اليومي.

الهم العربي والخيال العربي

يجمع الكتاب والمثقفون العرب على أن كتابات أحمد بهاء الدين اعتمدت الاستنارة والعقلانية لأنها تنبع من سعة إطلاع واهتمام عميق بشجون وهموم الوطن العربي.
الشاعر عبد المعطي حجازي يقول إن (بهاء) كان من الكتاب الذين أكسبوا الكتابة الصحفية قيمة وجعلوها امتداداً للنشاط الثقافي والكتابة الفكرية والأدبية لما تميزت به من عمق ورشاقة ووضوح، وإن كتاباته تناولت الشؤون المصرية بنفس عربي وهم عربي وخيال عربي مشيراً إلى أنه ليس مجرد كاتب بل علم من أعلام مدرسة صحفية تميزت بالتوازن، وتجمع بين الصحافة كأخبار ومعلومات واتصالات وبين الثقافة كأدب وفن.
أما الأديب والروائي أدوار الخراط فيقول: إن بهاء الدين قام بدور كبير في الثقافة العربية المعاصرة وذلك بتنمية وعي أجيال عديدة من القراء وأن مقالاته و«يومياته» كانت دروساً في الكتابة والانشغال بهموم الناس كبيرها وصغيرها على السواء، وكذا كانت كتبه عن الصهيونية والتاريخ الحديث، شهادات بالغة الأثر وعميقة النفاذ على أهم القضايا المعاصرة في تاريخنا العربي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن