ثقافة وفن

هل تنجح المنصات الإلكترونية في السيطرة على السوق الدرامية؟ … الدراما تشهد تحولاً كبيراً مابين العرض التقليدي والاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي

| سارة سلامة

تغزو المنصات الإلكترونية سوق المنافسة وتعتبر جاذباً قوياً للدراما وصناعها، فبعد أن كانت الأعمال الدرامية تصنع للعرض على شاشة التلفزيون والفضائيات، بدأ المنتجون يصنعون دراما خاصة للمنصات الإلكترونية متنوعة بين دراما الـ7 حلقات أو 10 حلقات.

حيث كانت المنصات تجتذب مسلسلات الـ30 حلقة والـ45 حلقة للعرض بعد انتهاء بثها على الفضائيات الأمر الذي تبدل الآن وأصبحت تصنع هذه الدراما للعرض على المنصات في البداية ثم تعرض على الفضائيات فيما بعد.
حيث إن قالب الدراما العربية بدأ يأخذ صورة مكرسة تعيد نفسها مراراً، عبر الخوض مع أسماء ونجوم محددين، لا تزال ترزح وجوههم من الشاشة عاماً تلو الآخر، حتى لو كانت أعمالهم دون المستوى. وغالباً ما يتذرع المنتجون بحاجتهم إلى أسماء معروفة لكي يتمكنوا من التسويق لأعمالهم، وإن تم ذلك على حساب جودة العمل الفني.
وما زلنا للآن نرى الواقع نفسه في معظم الأعمال العربية، لأن الرأسمال يخاف المجازفة، بيد أن المؤشرات تدل على تغيير المعادلة، وخصوصاً مع سيطرة المنصات على جزء لا يستهان به من الإنتاجات العربية، التي أثبتت قدرتها على جذب نسبة كبيرة من المشاهدين الذين وجدوا عبرها أعمالاً ترضي ذائقتهم الفنية وتحترم عقولهم، وهذا على عكس ما يحدث في الدراما التلفزيونية، التي تسيطر عليها المحسوبيات، والشطط في العمل، واختيار المنتجين لبطولة أعمالهم نجوماً، انطلاقاً من شكلهم وعدد متابعيهم على وسائل التواصل الاجتماعي أحياناً، ولهيمنتهم على العمل الفني.

سوق رديف

وفي سؤالنا فيما إذا كان التوجه في الدراما يذهب باتجاه منصات العرض الإلكتروني، ولاسيما التي تعتمد على المسلسلات القصيرة، وهل الفترة المقبلة ستلغي أهمية المسلسل الطويل أو الموسم الرمضاني، وتجعل العرض حكراً على الاشتراك فيها؟ بيّن المنتج هاني العشي في تصريح خاص لـ«الوطن» أن: «المنصات لا يمكنها أن تلغي خصوصية رمضان، والموسم الدرامي الذي يكتسح العالم العربي، ويحقق نسب مشاهدات عالية جداً، إلا أن المنصات ممكن أن تكون سوقاً رديفاً للفضائيات، ولكنها لا يمكن أن تلغي خصوصية الجماهيرية التي يحققها التلفزيون، ولا يمكن أن تصبح المسلسلات مدفوعة ومختصة بشريحة محددة من المتابعين، كما أن التلفزيون يجذب المعلنين بنسبة أكبر من المنصات لأن المعلن يهتم بالوصول والانتشار إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص وهذا ما يحققه التلفزيون بشكل أوسع».

وأضاف العشي: «إن المنصات الإلكترونية واقعية لا ننكر وجودها، وهي تجذب فئة الشباب أكثر من غيرهم، ونلاحظ أن منصة «شاهد»، تقدم إنتاجات منذ قرابة 10 سنوات بموازنة مخيفة لتوازي «نتفليكس»، ولكنها لم تستطع أن تلغي الطقس الرمضاني، إذاً هي منصات حكومية رديفة للسوق الدرامية، حيث قُدم على مدار 5 سنوات العديد من العشاريات لم نسمع عنها شيئاً باستثناء «قيد مجهول»، إلا أن المشاهدة تتطلب المزيد من الوقت والتعامل مع المسلسل كحالة معيشة على سفرة رمضان، ينتظرها المشاهدون كل يوم».

ويذكر أن «حارة القبة» للمنتج هاني العشي قد بدأ عرضه بشكل مجاني على منصة «شاهد»، ويروي العمل قصة رجل على فراش الموت يترك صندوقاً صغيراً محكم الإغلاق في عهدة صهره، يحتوي أمانة غامضة تلفها أسرار خطرة ستؤثر في مصائر الكثيرين وتفجر مطامع وأحقاداً نائمة، بطولة كل من: «عباس النوري، سلافة معمار، خالد القيش، نادين تحسين بيك، فادي صبيح، شكران مرتجى، عبد الهادي الصباغ، نادين خوري وغيرهم..».

يكتسح العالم

ومن جانبه يقول الكاتب محمود إدريس: «إن المنصات ستصل إلى مراتب متقدمة كبيرة، وهي نظام عالمي جديد يكتسح العالم، إلا أنها من الصعب أن تلغي خصوصية العرض الدرامي في رمضان، ولكن الأكيد أنها ستأخذ الأولوية والأسبقية في تسلسل وأهمية العروض والأسبقية أيضاً، وبالتالي سيؤثر ذلك في السوق الإعلاني».

وعن إمكانية إنشاء منصات خاصة بنا، وما مصير المنصة التي يُنشئها كشف إدريس: «أن موضوع إنشاء منصات في سورية هو شيء مركب وشائك، لأن هناك مجموعة تحديات، ولا نستطيع البدء بأي نقطة قبل أن نتحدث عن العقوبات التي تشملنا، فقبلها كانت الذهنية ذاهبة باتجاه العالم الرقمي، وتشير إلى مؤشرات جيدة، ولكنها لم تكن على التسارع الذي يحدث عالمياً، وهناك شيء له علاقة بذهنية الحضور عن طريق الإنترنت وهي ما زالت جديدة في العالم العربي وبحاجة إلى ثقافة».

وبين إدريس حول سؤالنا عن مسلسل «داون تاون»، أنه لم يترك تأثيراً في الشارع لأنه لم يعرض بشكل مفتوح بل عبر منصة، قائلاً: «المسلسل لم يحقق للآن نجاحاً كبيراً لكونه عرض على منصة ولم يعرض بشكل مفتوح وهذا أعطاه فرص مشاهدة أقل، إلا أنه سيعرض بشكل مفتوح مثلما أفادت الشركة المنتجة بعد انتهاء فترة الحصرية عن المنصة وسيشاهد بشكل مجاني وعندها سيترك الرأي للجمهور، وأعتقد أن الدراما بشكلها المطروح اليوم ليست دراما أثر، وهي لم تصنع لتكون كذلك، لأنها محكومة بمجموعة تجارية وعوامل لها علاقة بشروط العرض وشروط الإعلان وذهنية المشاهدة ولم تعد معنية بالدرجة الأولى بالأثر».

أما بالنسبة للمنصة التي يعمل على تحضيرها والتي تحمل اسم (choice)، فأوضح إدريس: «إننا الآن بطور التسويق والمفاوضات مع أكثر من جهة مهتمة بموضوع المنصة، وأعتقد أن المسألة ستتجاوز حدود سورية لتصل إلى الوطن العربي، ويفترض أن تخاطب العالم العربي ومستقبلاً ربما تخاطب العالم بشكل أوسع، لأن التجربة غير مسبوقة وتقوم على أن المشاهد يستطيع أن يصنع مسلسله بنفسه منذ البداية حتى النهاية، ولا أحد يستطيع أن يتحكم في خياراته، هو من يصنعها، وكأنه يعمل بروفا لحياته قبل أن يعيشها ويجرب خياراته ويخوضها بشكل حقيقي».

أكثر جدية

وأخيراً ربما الدراما السورية والعربية تشهد اختلافاً ولاسيما المشتركة، في مقدمها انتشار ظاهرة المسلسلات القصيرة، وباتت هذه الأعمال أكثر متابعة وتشويقاً لأنها ابتعدت عن الشطط، إلى جانب تحررها من عباءة العرض التلفزيوني، لترسو في فضاء واسع من المنصات الإلكترونية، سواء كانت عربية أم عالمية.

كلّ ذلك بدأ يأخذ الدراما السورية والعربية إلى نوع جديد في حركة التغيير التي تسلكها من خلال الشكل والمضمون.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن