قضايا وآراء

الاستثمار في رأس المال البشري

| الدكتور قحطان السيوفي

أكدت العديد من مراكز الدراسات أنه مع نهاية عام 2020، أصبح الاستثمار في البشر أكثر أهمية من أي وقت مضى، حيث ظهر التأثير المدمر الذي تحدثه جائحة فيروس كورونا في الناس والاقتصاد في جميع أنحاء العالم. المقصود برأس المال البشري مجموعة من المعارف والمهارات والقدرات الصحية التي يستثمر فيها الناس وتتراكم بما يمكِّنهم من استغلال إمكاناتهم كأفراد منتجين في المجتمع.
ويساعد الاستثمار في البشر، من خلال توفير التغذية والرعاية الصحية والتعليم والوظائف والمهارات، على تنمية رأس المال البشري، وهو أمر أساسي لإنهاء الفقر المدقع وبناء مجتمعات متطورة.
النهوض برأس المال البشري يُنظر إليه على أنه استثمار، وبالتالي هو المشروع الاستثماري الأكثر تأثيرا؛ لأنه استثمار في النمو الاقتصادي. تقرير عن البنك الدولي، صدر أخيراً، يحذر من أنه بنهاية عام 2021، قد يسقط 115 مليون شخص في براثن الفقر المدقع، أي العيش بأقل من 1.9 دولار في اليوم، ما يُهدد صحتهم وغذاءهم وتعليمهم، وهذا يتطلب تعاون العالم لحماية رأس المال البشري.
في الدول منخفضة الدخل، توجد تحديات هائلة تواجه تنمية رأس المال البشري: إذ يتوقع أن يبقى 93 في المئة فقط من الأطفال على قيد الحياة حتى سن الخامسة، ولن يعيش حتى سن الـ60 سوى 75 في المئة من الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 15 عاماً. قالت منظمة مكافحة الفقر «أوكسفام» إن 11 شخصاً يموتون على الأرجح من الجوع كل دقيقة.
بالمقابل العناية بالبشر تعد جزءاً من البنية التحتية. وتعتبر المرأة عاملاً مهماً في زيادة الاستثمار «اقتصاد الرعاية».
وهذا من شأنه تحسين رأس المال البشري، كما أن زيادة الاستثمار في الصحة والتعليم تعزز نوع رأس المال الاجتماعي الذي يميز المجتمعات الناجحة.
في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء، لا يزال الاستثمار يركز بشكل أساسي على رأس المال المادي. حان الوقت لإدراك أن رأس المال البشري، هو البنية التحتية الأهم للقرن الـ21.
العالم يواجه عديداً من أزمات رأس المال البشري: 155 مليون طفل يعانون التقزم، 250 مليون طفل لا يستطيعون القراءة أو الكتابة؛ 400 مليون شخص يفتقرون للخدمات الصحية الأساسية؛ ولا تغطي شبكات الأمان الاجتماعي سوى ثلث فقراء العالم، وتحتاج الدول النامية إلى المزيد من الاستثمار في بناء رأس المال البشري، وتنمية المهارات، وتكشف الأبحاث والوقائع؛ أن رأس المال البشري ــ رصيد المعرفة التقنية، والمعارف، والمهارات ــ جزء أهم بكثير من ثروة الأمم، فكوريا الجنوبية هي واحدة من أكثر بلدان العالم تقدماً، لا يقوم اقتصادها على الموارد الطبيعية، بل على مواهب شعبها ومهاراتهم ومعارفهم.
يشكل رأس المال البشري أغلبية الثروة في البلدان المرتفعة الدخل، ونسبة مئوية أقل من إجمالي الثروة في البلدان المتوسطة الدخل، ونسبة أقل من ذلك في البلدان المنخفضة الدخل.
ارتفع عدد البلدان التي تسعى لتنمية رأسمالها البشري من 28 إلى أكثر من 60 منذ إطلاق مشروع رأس المال البشري للأمم المتحدة العام الماضي.. الذي ركز على تهيئة الظروف المناسبة لزيادة الاستثمارات في البشر، والتمكين الاقتصادي للنساء بوصفه محركاً رئيساً للنمو الاقتصادي، والاستثمار في الألف يوم الأولى من حياة الطفل من خلال الاهتمام بالصحة والتغذية والتعليم، وكذلك مشاركة القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني في تقديم الخدمات وبناء القوى العاملة اللازمة للمستقبل.
تم إطلاق مؤشر رأس المال البشري لأول مرة في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي في تشرين الأول 2018، ولا تزال هذه المنهجية مستخدمة في التحديث حتى الآن.
الاستثمار في رأس المال البشري له دور مهم في تحقيق النمو الاقتصادي في ظل اقتصاد عصر المعرفة وأصبح لزاماً على المنظمات والدول معاً أن تعتمد على المعرفة كمورد أساسي لتحقيق الأهداف، كما أن نظرية النمو الحديثة تشير إلى النمو في الاقتصاد من خلال زيادة المعرفة، والاستثمار في رأس المال البشري، باعتبار العامل الأول للنمو الاقتصادي هو ابتكار ونشر المعرفة الحالية والمعارف الجديدة.
مشروع رأس المال البشري هو جهد عالمي يستهدف تسريع وتيرة زيادة الاستثمارات في البشر كمّاً وكيفاً من أجل تعزيز العدالة والنمو الاقتصادي. في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يتم التركيز على تنمية الطفولة المبكرة وبناء قدرة الشرائح المستضعفة والأولى بالرعاية حيث يقع رأس المال البشري في صميم الإستراتيجية العالمية للتنمية. ولحماية البشر والاستثمار فيهم ويجب مساعدة الحكومات على تحديد أولويات الاستثمار في البشر، وتوفير حماية أفضل للمواطنين والاستثمار فيهم أثناء هذه الجائحة. يجب دعم الدول النامية بالتمويل وبناء القدرات وتبادل المعارف لمساعدة الحكومات على إعطاء الأولوية للاستثمار في المواطنين.
ويتعين علينا أن نفعل ذلك وخصوصاً في الدول منخفضة الدخل والدول الهشة، وفي الدول متوسطة الدخل التي تكون موطناً لعدد متزايد من الفقراء ذوي رأس المال البشري المنخفض.
واليوم تركز المنظمات الأممية على ثلاث طرق لإنهاء الفقر المدقع بحلول عام 2030: من خلال تسريع وتيرة النمو الاقتصادي الشامل والمستدام؛ ومن خلال بناء القدرة على الصمود أمام الصدمات من خلال زيادة الاستثمار الفعال في البشر.
أخيراً العالم بحاجة إلى بذل مزيد من العمل ومزيد من البحوث في مجال الاستثمار في البشر لتأثيره الهائل في النمو الاقتصادي ويتعين أن يتعاون المجتمع الدولي والعمل على منع الأزمات في المستقبل أو التخفيف من حدتها، وأن يسمو المجتمع الدولي إلى مستوى من العمل التعاوني. فحماية الناس ورأس مالهم البشري مسؤولية الجميع، وإذا لم نعترف بذلك، فإن أثر التداعيات سيكون عالمياً ولأجيال مقبلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن