قضايا وآراء

سياسة بايدين وإمبرياليتها الجديدة

| تحسين الحلبي

كان من المقرر أن تكون القوات الأميركية قد استكملت انسحابها في أيار الماضي من أفغانستان لكنها قامت الآن بتمديد بقائها حتى 31 آب المقبل بحجة أن قوات حكومة كابول المتحالفة مع واشنطن غير قادرة على حماية وجودها كحكومة تدير البلاد وتبعد خطر طالبان أو تتفق مع قادتها على حل سلمي يتيح مشاركة الطرفين في حكومة مشتركة وهذا ما شجع بعض أعضاء الكونغرس ومنهم الجمهوري آدم كينغ زينغير بمعارضة الانسحاب إذا كان سيؤدي إلى سيطرة مجموعات طالبان على إدارة البلاد أو معظمها.
وبالمقابل لم يعد بمقدور الرئيس الأميركي جو بايدين إعادة الزمن إلى الوراء فقرار الانسحاب ليس اختياراً طوعياً ومبادرة حسن نية من الولايات المتحدة بل انسحاب منظم بدلاً من أن يصبح انسحاباً على طريقة الهروب السريع للقوات الأميركية وطاقم السفارة الأميركية في سايغون عاصمة فيتنام الجنوبية من فيتنام كلها عام 1975 بعد هزيمة الجيش الأميركي في حرب دامت 11 عاماً.
ومع ذلك أصبحت هزيمة واشنطن في أفغانستان شديدة الوضوح لأن نظام حكم طالبان الذي قررت القوات الأميركية إسقاطه عام 2001 وتعيين حكومة تابعة لواشنطن بدلاً منه لم يتحقق بعد حرب دامت عشرين عاماً شنتها أقوى قوة عسكرية في العالم في ذلك الوقت أي الولايات المتحدة في عام 2001 وهي هزيمة ساحقة لأن مجموعات طالبان لم تقم أي دولة بتقديم الدعم العسكري المباشر وغير المباشر لها على غرار فيتنام الشمالية التي تمتعت بدعم عسكري بالسلاح والعتاد من روسيا والصين.
وهزيمة واشنطن أمام طالبان ستجعل أي قوة تقاتل القوات المحتلة الأجنبية على أراضيها تجمع وتبني قدراتها العسكرية من ذاتها وقد تتمتع بدعم عسكري ولوجستي وسياسي من دولة إقليمية مثل سورية وإيران اللتين قدمتا الدعم العسكري منذ الاجتياح الإسرائيلي للأراضي اللبنانية عام 1982 للقوى الوطنية والإسلامية اللبنانية على شكل أسلحة ومعدات أتاحت لهذه القوى وفي مقدمها حزب اللـه هزيمة قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 2000 وتحرير بلادها من وجود الاحتلال.
وهذا ما جعل فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة تصبح قادرة هي الأخرى في عام 2005 على تحرير أراضي القطاع من القوات المحتلة ونزع المستوطنين والمستوطنات منها من دون قيد أو شرط.
لقد تعرض قطاع غزة بعد هذا الانسحاب بسنتين إلى حصار من جميع الاتجاهات من قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948 وبقي يواجه غارات واقتحامات قوات الاحتلال حتى الآن ويزداد قوة صاروخية وعسكرية، وقد بدا الجيش الإسرائيلي عاجزاً عن إيقافها أو إنهاء وجودها طوال 14 عاماً ولم يكن يدعم القطاع بهذه القدرات العسكرية سوى سورية وإيران وبأصعب الطرق والوسائل منذ عام 2007 على حين أن جيش الاحتلال كان يعد بمنزلة جيش أميركي يتمتع بكل أشكال دعمه من الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب.
أمام هذه المعادلة التي فرضتها قوى محور المقاومة في منطقة الشرق الأوسط يبدو أن إدارة بايدين تسعى في هذه الظروف إلى الاعتماد بشكل متزايد على دور حلفائها الوكلاء مثل حكومة أفغانستان وجيشها ومثل الكيان الإسرائيلي في فلسطين ونظام رجب أردوغان التركي ضد سورية والعراق، لكي تتجنب هي دفع الثمن من جنودها، ويلاحظ الجميع أن حكومة أفغانستان تعمل على تجنيد الأفغان بعضهم ضد بعضٍ بدعم أميركي لمصلحة استمرار الحرب من دون دفع ثمن بشري أميركي وكذلك تستعين إدارة بايدين بأردوغان وجيشه في دعم المجموعات المسلحة في إدلب وغيرها لكي يستمر دور المجموعات الإرهابية في منطقة شمال وشمال شرقي سورية، لكن النتيجة في النهاية لن تكون سوى دحر كل هذه المجموعات وفرض الهزيمة على كل من كان يقدم الدعم والاستناد لها، فهذا ما جرى في فيتنام من قبل وما يجري في أفغانستان في هذه الأوقات وما سوف يجري بعد انسحاب الوحدات العسكرية الأميركية من العراق ومن سورية فتتسع رقعة الدول المستقلة وصاحبة السيادة غير المنقوصة على أراضيها في العراق وفي سورية ويزداد محور المقاومة قوة ونفوذاً ومنعة مستمرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن