ثقافة وفن

برعاية وزير الخارجية والمغتربين.. مكتبة الأسد تحتفي بتوقيع كتاب «سورية وعصبة الأمم» لمؤلفه بشار الجعفري … المقداد: العالم محكوم اليوم بذهنية المستعمر والسيطرة على دول العالم … الجعفري: هذا التوقيت الأمثل لتقديم قراءة جديدة لتاريخ مهم في حياة السوريين

| سيلفا رزوق - تصوير طارق السعدوني

أقيم مساء أمس في مكتبة الأسد برعاية وزير الخارجية والمغتربين د. فيصل المقداد حفل توقيع كتاب «سورية وعصبة الأمم» لمؤلفه د. بشار الجعفري الصادر عن دار «بستان هشام». وحضره عدد من أعضاء مجلس الشعب والسفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين في دمشق إضافة إلى عدد من مسؤولي الدولة ومديري إدارات وزارة الخارجية والمغتربين وحشد من المثقفين والأدباء والإعلاميين.

وأكد وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد خلال كلمة له أن الكتاب يتناول مرحلة مهمة وحساسة من تاريخ سورية وخاصة دور عصبة الأمم خلال الحرب العالمية الأولى والأسباب التي أدت لانهيارها، مبيناً أهمية قراءته ودراسته بعناية لفهم ما حدث واستشراف ما يمكن أن يحدث، مضيفاً: إن «أبطالنا الذين ضحوا بين الحربين الأولى والثانية، واستبسلوا من أجل استقلال سورية، أبناؤهم من يصنعون البطولات والإنجازات في سورية طوال عشر سنوات من حرب شرسة منظمة ومدعومة دفاعاً عن حريتها وسيادتها».

ولفت المقداد إلى أن العالم محكوم اليوم بذهنية المستعمر والسيطرة على دول العالم والتفكير فقط بأن المصلحة الحقيقية لتلك الدول هي استغلال آخر جيب لآخر فقير في آخر بلد من بلدان العالم النامية، وهذه الذهنية تقودها الدول المسؤولة عن الحربين الأولى والثانية التي حصدت أرواح ملايين البشر ويسعون اليوم لحصد المزيد من الأرواح، وأضاف: «ممارسات هذه الدول اليوم تدل على ما كانوا يفعلونه سابقاً، وعلى ما ينوون القيام به الآن وفي المستقبل».

ولفت إلى أن عصبة الأمم لا تختلف اليوم عن الأمم المتحدة، فالدول التي أنشأت الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو قالت إنها تريد إنشاء نظام عالمي جديد وتريد القضاء على إرث عصبة الأمم المتحدة التي لم تكن عضويتها شاملة لجميع الدول ولم تستوعب حاجات العالم المتطورة بعد الحرب العالمية الأولى، فالأمم المتحدة لم تقم بذلك بل هناك بعض الأصوات التي لا تزال تطالب بذلك.

وأكد المقداد أن سورية لا تتردد نهائياً من قول كلمة الحق وهي تحذر من انهيار هذه المنظومة العالمية التي لا تقوم بواجبها على خير ما يرام أو تقوم بالحد الأدنى مما هو مطلوب منها.

ولفت المقداد إلى ما حدث في سورية بعشرية النار، متسائلاً: أين كانت الأمم المتحدة في هذه العشرية وماذا فعلت لبلد اجتاحه الإرهابيون والقتلى ودفع فيه عشرات المليارات لتدمير إنجازات شعبه وقتل فيه الأطفال والنساء والأبرياء وتدمر بناه التحتية بدفع وتمويل من الدول الغربية التي تدعي الحضارة.

وتساءل المقداد من أين للدول الغربية والولايات المتحدة التبجح بأنها تريد إرسال المساعدات للشعب السوري وهي تفرض عليه أقسى العقوبات والإجراءات الأحادية الجانب، والتي لم تستطع أن تحصل على تفويض أممي بهذه الإجراءات وذلك بفضل صمود الشعب السوري برئاسة الرئيس بشار الأسد وبفضل أصدقاء الشعب السوري.

واعتبر المقداد أن الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة في مختلف بلاد العالم ضد سورية لا يمكن تخيلها خلال الأشهر الستة الماضية، من أجل حشد الرأي العام الدولي ضدها فيما يخص مسألتي ما يسمى الأسلحة الكيميائية وملف المعابر، حيث لم يترك سفراء الدول الغربية والولايات المتحدة في مختلف دول العالم مسؤولاً واحداً في هذه الدول إلا واتصلوا به لتعبئته ضد سورية، وقال: «إن القرار الذي خرج أخيراً بخصوص المعابر انقلبت به هذه الدول على ذاتها من أجل ألا تأخذ روسيا الفيتو في وجهها، ووافقوا على كل شيء طالب به الأصدقاء الروس»، واصفاً القرار بأنه مقدمة لكي يعترف به المجتمع الدولي بحق سورية في الدفاع عن استقلالها ووحدة أرضها وشعبها.

الجعفري: الكتاب زيارة جديدة لفترة خطيرة من تاريخ سورية الحديث

مؤلف الكتاب نائب وزير الخارجية والمغتربين بشار الجعفري أشار في كلمة له إلى أن التاريخ يقرأ بعدة طرق، فهناك القراءة السريعة، والقراءة الاطلاعية، والقراءة المعتقة، والقراءة التحليلية، والقراءة النقدية، وكلما أمعن الباحث في القراءة المجهرية للتاريخ كلما اقترب من مفهوم التاريخ عند أساتذة التاريخ العرب مثل الواقدي في كتابه المعنون: «كتاب الطبقات»، وتلميذه ابن سعد البغدادي في كتابه «الطبقات الكبرى»، ومع أن معنى الطبقات، اصطلاحاً، هو التقسيم الزمني، إلا أن هذا المصطلح يقرّب علم التاريخ من علم الآثار، إذ يحتاج الباحث إلى التنقيب في طبقاتهما كليهما وصولاً إلى الطبقة الأبعد التي تكمن بشكل عميق في باطن الأحداث.

ولفت الجعفري إلى أن الغاية من هذا البحث ليست سرداً للأحداث بل، التنقيب في ثنايا هذه الأحداث عن إجابات تاريخية دقيقة قد تكون غير معروفة لدى القارئ السوري والعربي والمتابع، وعندما نستخدم كلمة «تنقيب» فنحن نعي مدى أهمية هذه الكلمة في توصيف الغاية من هذا البحث، وقال: «ومع أن هذا المصطلح يقودنا، حكماً، إلى إجراء مقارنة مع التنقيب عن الآثار فإنه ينبغي التوضيح بأن الآثار تعيدنا إلى تاريخ جامد عفا عليه الزمن ورحل عنا تاركاً وراءه حضارات بائدة وكنوزاً فنية منتشرة في المتاحف وفي المواقع الأثرية المشهورة. أما التنقيب عن الأحداث المتعلقة بتاريخ سورية السياسي خلال المئة عام الأخيرة وعلاقة هذا التاريخ بكل من عصبة الأمم ومنظمة الأمم المتحدة فهو ربط للماضي بالحاضر الذي ما زلنا نعيشه حتى اليوم، لأن ما تم بحق سورية في عصبة الأمم هو جرح نازف، بمعنى أن تاريخ سورية في عصبة الأمم لم يترك وراءه آثاراً توضع في المتاحف ولا مواقع أثرية يهتم بها الباحثون، بل ترك إحداثيات سياسية مهمة تركت بصمات عميقة على الهندسة السياسية للشرق الأوسط».

واعتبر الجعفري أن كتابه «سورية وعصبة الأمم»، هو بمثابة زيارة جديدة لفترة خطيرة من تاريخ سورية الحديث، ألا وهي فترة النصف الأول من القرن العشرين والتي شهدت أحداثاً جساماً تتالت بمبضعها المسموم على جسد البلاد الفتية التي ما أن أزاحت الكابوس العثماني عن صدرها حتى وجدت نفسها فريسة تآمر أوروبي على استقلالها الفتي، تآمر لم يبعدها عن عضوية عصبة الأمم فحسب بل وظّف العصبة لشرعنة ذاك التآمر الكولونيالي وابتداع مصطلح الانتداب كبديل شكلي عن مصطلح «الاستعمار». ليس الكتاب، إذاً، مراجعة تاريخية، بل قراءة نقدية جديدة لمحطات ماضية بالغة الأهمية في تاريخ سورية السياسي، لكنها ذات صلة مباشرة بأوجاع سورية الحاضرة.

واعتبر أن عشرية التآمر البريطاني- الفرنسي على سورية عشية الحرب العالمية الأولى في العام 1914 وحتى منح مؤتمر سان ريمو في العام 1920 الانتداب على كل من سورية ولبنان، وصولاً إلى إقرار عصبة الأمم نفسها بشرعية الانتداب البريطاني على فلسطين في العام 1922 وبشرعية الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان في العام 1924، حددت هذه العشرية من التآمر الأوروبي المكثف مصير جغرافية سورية والمنطقة العربية المشرقية حتى أيامنا هذه.

الجعفري سلّط الضوء في كلمته على عدد من النقاط التي ينبغي الالتفات إليها حول حجم الضرر الذي ألحقته القوة الأوروبية الاستعمارية بسورية ودول المشرق العربي، مشيراً إلى أن فوهات المدافع، وليست الحقوق هي التي حددت موقع الأمم في مؤتمر الصلح في فرساي، فشعوب أوروبا الشرقية فازت بمقاعد في المؤتمر من خلال خلقها وقائع على الأرض تدوّي بقعقعة السلاح، في حين لم يكن لدى العرب أي أمل في أعمال حقوقهم وذلك بسبب اعتمادهم على تحالف خادع مع بريطانيا بشكل رئيس، ولأن بريطانيا وفرنسا أحبطتا جهود العرب لبناء جيش عربي مستقل ومنعتا حضورهم مؤتمر فرساي في عداد الحلفاء المنتصرين على قواعد المحور، وأضاف: لقد كان التمثيل العربي شبه معدوم في مؤتمر فرساي للسلام، وفي عضوية عصبة الأمم، اللهم باستثناء دعوة الأمير فيصل بن الشريف حسين لعرض «قضية العرب» وفقاً للتعريف الجغرافي الذي اتفقت عليه بريطانيا وفرنسا بموجب اتفاق سايكس- بيكو، ولذلك كان يتم تقديم الأمير فيصل في فرساي على أنه ممثل ملك الحجاز فقط!، وأضاف: «وبالمثل، حضرت الحركة الصهيونية مؤتمر فرساي بشخص حاييم وأيزمان الذي أتيحت له الفرصة لمخاطبة المؤتمر وعرض «القضية الصهيونية» أمامهم، وبطبيعة الحال انسحبت تداعيات التمثيل العربي شبه المعدوم في مؤتمر فرساي على العضوية العربية في عصبة الأمم، إذ خلت قائمة الدول المؤسسة لعصبة الأمم من أي دولة عربية على الإطلاق».

وأكد الجعفري أن دولاً أخرى قد امتدت لها أيادٍ تخريبية مؤذية، تركت في جسدها جروحاً غائرة وندوباً شوهت حاضرها، لكن قلة من الدول مرت بما مرت به سورية من غدر الزمان والمكان، الأمر الذي يجعلها حالة دراسية مميزة تستدعي إعادة قراءة الأحداث الجسام التي ألمت بها، قراءة مقارنة مجهرية بعيون فاحصة لا تغفل التفاصيل، حتى ولو اقتضى الأمر أحياناً زيارة حدث أو فترة زمنية ما عدة مرات من زوايا مختلفة.

يغني عن مكتبة في التاريخ العربي الحديث

الكاتب إسماعيل مروة المشرف الفكري والفني على مطبوعات دار نشر «بستان هشام» للطباعة والنشر، وصف كتاب «سورية وعصبة الأمم» بالفريد والمميز من دون مواربة، وهو لكاتب علم لا يحتاج إلى شهادة أو تعريف، والدكتور الدبلوماسي والسياسي واللغوي بشار الجعفري، هو القلم المشهور وصوت سورية الصادح في المحافل الدولية والأمم المتحدة في أوقات صعبة وعصيبة، مبيناً أن للدكتور الجعفري كتباً عميقة البحث صدرت، وأخرى ستصدر تباعاً.

المكون الاستعماري الذي أنتج عصبة الأمم هو نفسه الذي أنتج الأمم المتحدة

وفي تصريح للصحفيين على هامش الحفل أكد الدكتور الجعفري أن هذا التوقيت الأمثل لتقديم قراءة جديدة لتاريخ مهم في حياة السوريين عن بداية القرن العشرين، وما ترتب عن تلك البدايات من تداعيات سياسية تتعلق بماضينا وحاضرنا ومستقبلنا السياسي، مبيناً أن الفترة التي سبقت إنشاء عصبة الأمم خلال وما بعد، رسمت الخطوط العريضة للجغرافيا السياسية التي عشناها، ومازلنا نعيش فيها فهي مفاتيح مهمة لفهم الواقع.

وأضاف: إن ما تعرضت له سورية لاسيما عشرية النار والإرهاب لها علاقة بما جرى في تلك الفترة السابقة لأن المكون الاستعماري الذي أنتج عصبة الأمم هو نفسه الذي أنتج الأمم المتحدة فالدول الأوروبية التي كانت وراء الحربين العالميتين الأولى والثانية منتج أوروبي بسبب التنافس الاستعماري بين هذه الدول نفسها، مشيراً إلى أن هذا الكتاب هو الجزء الأول من سلسلة سيعنون جزؤها بـ«سورية في منظمة الأمم المتحدة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن