ثقافة وفن

«المرآة» معرض يثير التساؤلات والاستفسارات العميقة … فصيح كيسو لـ«الوطن»: يحتاج التشكيل إلى قلب قوي

| سوسن صيداوي ت: مصطفى السالم

«المرآة» معرض فني ليس بعادي، يقدمه لنا فنان وضع فيه خلاصة تجاربه الممتدة لعشرات السنين، والتي صقلتها خبرات وتجارب في ثقافات متنوعة، الفنان التشكيلي فصيح كيسو لا يأتي بأعماله إلا ليثير حالة من الاستفسارات والاستغرابات والتساؤلات، بين فلسفة الوجود وقواعد الفن التشكيلي، والحداثة والكلاسيكية، يقدم أعماله المختلفة دائماً معتمدا على الغرابة والدهشة وكسر كل ما هو مألوف. وللحديث أكثر نتوقف اليوم لننقل لكم بعضا مما دار أثناء افتتاح معرض الفنان التشكيلي فصيح كيسو، الذي أقيم برعاية وزارة الثقافة في الآرت هاوس في دمشق، بحضور فني وإعلامي جاء متوقعاً أن يرى ما هو مختلف، وبالفعل الفرجة البصرية اندهشت بداية من المرآة، التي إذا وقفت أمامها لن ترى نفسك كالعادة، لأن هناك صفيحاً مثقباً بالرصاص والقذائف، ويقف معك أمامها، في تجربة لرؤية آثار الحرب بداخلنا، هذا وبالنسبة لـ «اللوحة-الحياة» بداية ترى الألوان الضاجة والتشكيلات الهندسية لتظن بأنها مجرد زخرفات، ولكن عندما تقترب من اللوحة ستتفاجأ بأن تلك الأشكال ما هي إلا أجساد بشرية، وفي تشكيلها حديث يطول عن الخليقة، هذا والتكرار مع الألوان الصاخبة، يُلغي فكرة عُري الأجساد، لنقف حقا أمام زخرفة فريدة من نوعها.

صانع الغرائب

في بداية حديث «الوطـن» مع الفنان التشكيلي فصيح كيسو، أشار إلى أن الحالة الفنية الحاضرة، ما هي إلا خلاصة عمل طويل وممتد لخمسة وعشرين عاماً، من بداية التسعينيات إلى المرحلة الراهنة، مشيراً إلى أن الأعمال تجسد أفكاراً مختلفة عن بعضها وحتى في الأسلوب والتقنيات والمواد، ليتابع شرحه عن كلّ عمل «يحتاج الفن التشكيلي إلى قلب قوي، وبالنسبة لي أنا أحب التجريب ولا أخشاه على الإطلاق، وأعمالي اليوم ما هي إلا نتيجة للمحاولات التجريبية المتكررة، ففي عام 1990 أقمت معرضاً في المركز الثقافي الفرنسي في بيروت وكان موضوعه عن العُري، ونتيجة عرضه في بيروت وتونس لاحظت بأن المجتمع العربي لا يتقبّل الأجساد العارية بالشكل المباشر، وبالمصادفة وأنا أعمل في الغرفة السوداء، وجدت شكلاً متعاكساً كنت قد التقطّه، وباستخدامي للمرآة تكرر الشكل، بعدها اشتغلت على هذا الأسلوب أكثر في أستراليا، حيث أخذت جزءاً من الجسد، وكررته بطريقة الزخرفة الشرقية العربية كالأرابيسك، مع إخفاء الجسد بالألوان، إذاً المتفرج للوهلة الأولى ينظر إلى العمل ليراه زخرفة، ولكن عندما يقترب منه ويتمعن النظر فيه، يكتشف ما شرحته لكم حوله».

إذاً كيسو يهوى التجريب ولا يخشى على العمل، بل لديه الفضول ليرى ماذا سيحصل، فالفضول حالة عامة عند البشر، وإشباعها هو أمر صائب في اتخاذ القرارات الفنية، الأمر الذي دفع فناننا للمتابعة بتطوير الأسلوب، ليأتي العمل الثاني وهو إن صحت تسميته بـ(البرداية)، على شكل طباعة يدوية على القماش بأسلوب ثلاثي الأبعاد.

لينتقل إلى المرحلة الثالثة في القرن الواحد والعشرين، مستغلاً خبرته في التصوير الفوتوغرافي، ليتابع الفنان التشكيلي فصيح كيسو حديثه: «أيضاً هنا دخل الكمبيوتر على الصورة، وفي أستراليا حققت هذا المزج بين الصورة الملتقطة وتقنية الديجيتال، وطبقتها على الأعمال المطروحة في المعرض والتي أطلقت عليها (الحياة في القرن الواحد والعشرين) وهي تحكي عن تداخل الثقافات الغربية والشرقية، ومدى التأثر بها».

على حين التجريب يذهب بتجربته الأخرى إلى الخمسينيات حيث منهج التبسيط في الأعمال الفنية، ليأتي كيسو بلوح من التوتياء مثقوب بالرصاص والقذائف، ويُدخل الأكريليك إلى جانب المواد المتصدئة بسبب عوامل الحرب، للتأكيد على التناقضات الكثيرة في الحياة التي تشبه الدواخل البشرية.

وأخيراً عن العمل الفني (المرآة) الذي يحمل عنوان المعرض، ختم فناننا التشكيلي حديثه بالشرح حوله: «يدخل المتفرج إلى المرآة، فيجد نفسه أمام مكعب من التوتياء المثقوبة بالرصاص، هنا هذه الوقفة أمام النفس ستعكس على الشخص آثار دمار الحرب، التي حقاً هي في داخلنا، ولكن تفاجأت بالجمهور بأن بعضهم أشار إلى أن عمل (المرآة) يشبه حالة الإنسان في العزلة التي فرضها مرض كورونا، في ترابط بين العزلة والآثار الخارجية التي تحيط بنا وهي حقا تنعكس علينا».

غير عادي

من جانبه تحدث مدير مديرية الفنون الجميلة عماد كسحوت عن أهمية معرض (مرآة) للفنان التشكيلي فصيح كيسو، الحاضر باختلافاته المطروحة، وبجرأته في ركب موجة المعاصرة والحداثة، قائلاً: «الغاية من الفن والفنان بأن تكون نتيجته غير عادية. والفنان فصيح كيسو تشكيلي مبتكر، وكان قد زارني في مكتب المديرية، وشرح لي عن الزخارف التي شكّلها بالأجساد البشرية، ولكن في الحقيقة عندما شاهدتها على أرض الواقع، تأكدت أكثر من مدى عمق الثقافة الفنية عند فناننا. والمعرض هو حقاً تجربة متطورة في مجال الفن، من حيث الحداثة الواضحة والابتكار، وبصراحة هذان العنصران نحن بأشد الحاجة لهما، كي نتمكن من مواكبة الفن في العالم، وخصوصاً أن كيسو حقق المعادلة بشرطي الاختلاف والجمال، لهذا نشدّ على يده وعلى أيدي كل الفنانين الشباب، كي يتابعوا الفنون العالمية ويتمتعوا بالابتكار لتطوير الفن التشكيلي السوري».

جريء بامتياز

في الختام أكد النحات العالمي مصطفى علي قوة قلب الفنان التشكيلي فصيح كيسو، لافتاً إلى أن أول (performance) أو ما يسمى بفن الأداء على الجسم، كان في غاليري النحات علي، حيث أحضروا طبيباً وقام بإزالة الكتل الدهنية من جسد كيسو أمام الجمهور، مضيفاً النحات مصطفى علي: «أنا أشجع الفنان فصيح كيسو كثيراً، فأول معرض فني أقامه كان في الغاليري الخاص بي، وهو أول من عمل على فن الأداء لدينا في سورية، وأضيف باختصار: إن معرضه فيه الكثير من الابتكار والاختلاف، وتجاربه ضرورة كي يراها الفنانون الشباب ويتعلموا منها، إضافة إلى أنها غنية جداً بالتنوع والتميّز، ففيها أيضاً شيء من الفن الشعبي وأثر الحرب، إذاً الأعمال الحاضرة تجسّد أثر حياتنا في دواخلنا».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن