رياضة

كرة القدم إلى مزيد من الفجوات بين القارات الخمس … القارة العجوز تتألق واللاتينية إلى تراجع

| خالد عرنوس

تزامنت بطولتا القارتين الأكبر في عالم كرة القدم مع بعضهما حتى إننا شاهدنا نهائي يورو 2020 بعد أقل من أربع وعشرين ساعة من نهائي كوبا أميركا وشتان بين الحدثين على المستوى الفني والفارق الشاسع إعلامياً لمصلحة القارة الأوروبية التي تفوقت بكل شيء، على حين لم تظهر البطولة الأقدم في تاريخ المسابقات القارية أن حال الكرة فيها على ما يرام بل بدا أن ما خطط له الأوروبيون لتفوقهم يسير بخطا سريعة نحو زيادة الهوة مع باقي القارات، ونحن لا نتحدث هنا فقط على المستوى الإعلامي المبهر ولا على التنظيم الكرنفالي، ففي آسيا مثلاً هناك دول قادرة على محاكاة هذا الجانب وما يهمنا بالطبع المستوى الفني الذي من الصعب أن يُرمم في وقت قصير.

عوامل عديدة

طبعاً هذا التقدم الكروي الأوروبي لم يأت من فراغ لكن لنكون منطقيين فإن الحكاية بدأت منذ زمن طويل بحكم الاستقرار الكبير تعيشه القارة الأوروبية على الأصعدة كافة والذي انعكس على المستوى الاجتماعي والرياضي ومنه كرة القدم بالذات لأسباب كثيرة، أهمها العراقة والتنظيم وحسن الإدارة وبالتالي أصبحت الأندية تمارس اللعبة كمؤسسات عملاقة تماثل الشركات الاقتصادية الكبيرة وجذبت الكثير من الأنصار والمحبين وكونت شعبية هائلة لعبت وسائل الإعلام مع مرور الوقت في زيادتها اطراداً وكان للتنظيم الدقيق والروزنامة الموسمية التي تنفذ دون تغييرات جذرية دور كبير، وشكلت البطولات الأوروبية عاملاً إضافياً لزيادة المنافسة والربحية بحكم دخول المعلنين مجال اللعبة وقد أصبحت منتجاً رائجاً للشركات متعددة الجنسيات، فزاد الدخل وعاد بالنفع على كل من له علاقة باللعبة بداية من حامل الكرات في أي ناد وانتهاءً بكبار النجوم الذين يناهز دخل بعضهم ملايين الدولارات شهرياً.

ولعب القرب الجغرافي وتطور وسائل النقل وكذلك الانفتاح الكبير بين الدول الأوروبية دوراً، كذلك إقامة كل المسابقات في مواعيدها فأصبحت التنقلات أسهل وأيسر بالنسبة للأندية والمنتخبات وحتى الجماهير وزاد الاهتمام بكل فئات العمرية التي أصبحت رافداً رئيسياً للأندية والمنتخبات وأدى هذا الأمر إلى ارتفاع المستوى والأجور فأصبحت الأندية الأوروبية محجاً لكل المواهب (صغيرها وكبيرها) بفعل الأضواء والشهرة والرواتب المغرية خاصة للاعبي الدول الفقيرة ولم يكتف الأوروبيون باستغلال الأمر على مستوى الأندية فاستقطبوا الكثير من المقيمين والمهاجرين في المنتخبات الوطنية التي أضحت تضم الكثير من اللاعبين ذوي الأصول غير الأوروبية سواء من المهاجرين الأوائل أم الجدد.

تراجع أكثر

وإذا كان التنظيم والاحترافية في العمل سري نجاح الكرة الأوروبية فإن الكرة في القارات الأخرى عانت من سوء الإدارة في معظم الأوقات وكذلك من تراجع كبير في البنية التحتية والمستوى الفني ولم تعد أندية العالم الثالث (كروياً) سوى أسماء وإن كان الاحتراف دخل الكثير من الدول ودفعت مبالغ طائلة لجذب بعض النجوم إلا أن هذا الأمر لم يكن تأثيره كبيراً على المستوى العام، وتظهر بين الحين والآخر بعض الطفرات هنا وهناك لكنها تبقى متعلقة بحدث ما أو بفترة قصيرة دون استمرارية، وظهر الفارق جلياً بتفوق الأوروبيين، في كل الأحداث الكبيرة في 20 سنة الأخيرة، فمنذ مونديال 2002 الذي شهد التتويج الأخير باللقب العالمي من خارج القارة العجوز جمعت ثلاثة من أربعة مونديالات تالية طرفين أوروبيين، ووحده منتخب الأرجنتين بلغ نهائي مونديال 2014 على حين كان لعب جاره البرازيلي مباراة الترتيب بعدما تلقى أقسى هزيمة بتاريخه، اقتصر مربع كبار مونديالي 2006 و2018 على الأوروبيين وحل منتخب الأورغواي رابعاً في 2010 كاختراق ثان فقط، وإن كان البرازيليون تألقوا على مستوى كأس القارات فلأن نظامها قضى بوجود فريق واحد من أوروبا، فسيطر اللاتينيون على نسخة 2005 بنهائي أرجنتيني – برازيلي، وهاهي البرازيل المتوجة يومها احتفظت باللقب مرتين بعدها لكنها غابت عن النسخة الأخيرة 2017 فتوج الألمان بفريق من الصف الثاني يومها.

هيمنة واضحة

وبعيداً عن بعض الطفرات الأخرى التي سجلتها منتخبات أميركية شمالية أو آسيوية وإفريقية بعض الأحيان وإن لم تصل إلى اختراق كبير على صعيد المونديال فإن التوازن التاريخي كان على عاتق أميركا اللاتينية لكن تراجع المستوى المحلي في البرازيل والأرجنتين وبحث المواهب عن الشهرة والمال في أوروبا جعل من العملاقين لاعبين ثانويين في المونديال، فراقصو السامبا فشلوا بتجاوز ربع نهائي المونديال في 2006 و2010 و2018، وقلدهم المنتخب الأرجنتيني بالخروج من مونديالي 2006 و2010 من الدور ذاته وسبقهم في مونديال 2018 بالخروج من دور الـ16، أما الأورغواي فحدث ولا حرج، فالسيليستي فشل حتى بالتأهل إلى مونديال 2006 وسقط في دور الـ16 عام 2014 وفي ربع نهائي 2018، ونحن نعرف تماماً أن هذه المنتخبات الثلاثة لها تاريخها فقد نافست الأوروبيين على التاج العالمي.

ولم يتوقف الأمر عند مونديال الكبار ففي مونديال الشباب الذي شكل مرتعاً لتألق البرازيل والأرجنتين اللتين توجتا بأحد عشر لقباً مقابل 10 ألقاب للأوروبيين ولقب للقارة السمراء فقد شهد تراجعاً رهيباً منذ تتويج بلاد السامبا بلقب 2011، ففي النسخ الأربع الأخيرة توجت منتخبات فرنسا وصربيا وإنكلترا وأخيراً أوكرانيا بألقابها، والثلاثة الأخيرة ليست من القوى التقليدية في عالم بطولات الكبار وإن كانت إنكلترا توجت باللقب العالمي مرة واحدة، ويلاحظ التعدد في ألوان المنتخبات التي بلغت مربع الكبار في البطولات المذكورة، أما على مستوى مونديال الناشئين فقد بقي الأوروبيون بعيدين عن الهيمنة عليها وإن كانت سويسرا توجت بلقب 2009 بشكل اعتبر مفاجأة وعاد الإنكليز وتوجوا بلقب 2017 لكن البطولة ظلت خاضعة للأفارقة عبر نيجيريا (خاصة) واللاتينيين عبر البرازيل، ولم تكن هذه البطولات مقياساً للنجاح فلم تستثمر هذه التتويجات إلا في بعض الحالات الخاصة كما حدث مع الطفرة السويسرية (المحدودة) مثلاً أو ما يحدث على مستوى المنتخب الإنكليزي في الوقت الحالي، أو ما حققه الإسبان في وقت من الأوقات.

المثال الصارخ

وإذا كانت بطولات كأس العالم تمثل قمة كرة القدم ويمكن القياس عليها فإن المثال الأكثر قسوة تمثل بمونديال الأندية، البطولة التي استحدثها الفيفا قبل عقدين تقريباً والتي خدم نظامها القوتين العظميين (أوروبا وأميركا اللاتينية) وقد سيطر البرازيليون على أول ثلاث نسخ لكنها دانت للأوروبيين فيما بعد ولم يحصل سوى اختراق يتيم للبرازيليين، ويكفي القول إن عدداً من أندية إفريقية وآسيا والكونكاكاف أبعدت ممثلي أميركا من نصف النهائي لكن الجميع اصطدم بالأندية الأوروبية العملاقة التي توجت باللقب في 13 من 17 نسخة أقيمت حتى مطلع العام الحالي، والطريف أن أندية أميركا اللاتينية الكبيرة والتي يبلغ أنصارها بالملايين وأرصدتها بمئات الملايين لم تقو على مجابهة أندية أوروبا كميلان وبرشلونة وريال مدريد حتى إن فريقاً يابانياً هو كاشيما أنتلرز أجبر الريال على خوض وقت إضافي، بينما فشل غريميو البرازيلي على تشكيل تهديد واحد لمرمى الفريق الملكي على مدار 90 دقيقة والمباراتان المذكورتان في عامي 2016 و2017 بل إن نادي العين الإماراتي الذي خسر نهائي 2018 أمام الريال وصل إلى مرمى البطل الإسباني مرات وسجل هدفاً رغم أنه خسر بنتيجة 1/4 بينما غريميو اكتفى بهدف، ويأمل الجميع أن تكون الفرصة مواتية لإنزال الأوروبيين عن عرش البطولة عبر النسخة المقررة بعد عامين لكن ذلك يبدو أضغاث أحلام خاصة أن عدداً من كبار أنديتهم سيكون حاضراً ولن يقتصر الأمر هذه المرة على فريق واحد.

الفارق يتسع

كل ما سبق شاهدناه في بطولتي اليورو وكوبا أميركا المنفصلتين تماماً لكن إقامتهما في توقيت واحد طرح الكثير من المقارنات حول المستوى العام في القارتين، لكن والحق يقال يجب الاعتراف أولاً أن المنتخبات اللاتينية لا تتجاوز عشرة بينما بلغ عدد المنتخبات الأوروبية حالياً 55 منتخباً وهذا كاف لأي منتخب أوروبي أن يجد منافسين جدداً في كل بطولة أو تصفيات ولا ننسى أن بطولة أوروبا تقام بمشاركة 24 منتخباً وهذا مثير للتنافس أكثر، وأدى عدم مشاركة ضيفين (كما جرت العادة) لخوض كوبا أميركا بنظام فضفاض حيث لعبت المنتخبات 20 مباراة (الدور الأول) حتى خرج فريقان من المنافسة وبدأت المنافسة الحقيقية من ربع النهائي.

أما في البطولة الأوروبية فقد بدا التنافس شديداً رغم خروج ثمانية منتخبات فقط من الدور الأول حتى إن بطل نسخة 2016 خاض مباراته الأخيرة بدوري المجموعات وهو مهدد بالخروج، ورغم بعض النتائج الكبيرة إلا أن المستويات ظهرت متقاربة كثيراً ويكفي القول إن منتخباً كالدانمارك وصل نصف النهائي وخسر بصعوبة قد بدأ البطولة بهزيمتين، وبالمقابل حقق المنتخبان الهولندي والبلجيكي العلامة الكاملة خرجا تباعاً من الدورين ثمن وربع النهائي على التوالي.

شكلاً ومضموناً

وحتى لا نكون قساة في حكمنا نقول إن الحضور الجماهيري الذي زين بطولة يورو كان له الأثر الأكبر في الصورة الجميلة على الملاعب التي احتضنت البطولة وإن كان الحضور نسبياً بين دولة وأخرى حيث أقيمت البطولة في 11 مدينة لكنه في النهاية زاد حضور الأنصار والعشاق في جمالية البطولة ولا ننسى أن معظم لاعبي البطولة خاضوا موسماً طويلاً ومعظمهم لعب في الدوريات الخمسة الكبرى والتي كانت كفيلة برفع مستوى اللاعبين بشكل عام، وبالمقابل عانت بطولات كوبا أميركا من التخبطات قبل انطلاقها وكادت تؤجل مجدداً، وانسحب بعض الرعاة وأقيمت البطولة من دون جماهير فبدت ملاعب البرازيل التي اشتكى العديد من النجوم من سوء أرضيتها وكأنها مسارح أثرية وبدا اللاعبون وكأنهم يؤدون بروفة لعرض مسرحي ولم نشهد الكثير من المباريات الرفيعة المستوى، وحتى اللاعبون الذين دخلوا البطولة عقولهم مشغولة بالعقود والتصفيات المونديالية المرهقة فلم يقدموا الكثير إلا القليل من النجوم (الرموز) في بلادهم، ولكل هذه الأسباب وجدنا الفارق الكبير بين يورو 2020 وكوبا أميركا 2021، وربما شكل مونديال قطر في العام القادم إعادة رسم لخريطة كرة القدم العالمية مع التوقعات المسبقة بأن الأوروبيين سيبقون في المقدمة إلى أجل غير مسمى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن