اقتصاد

أرقام في مؤسساتنا

| د. سعـد بساطـة

نلاحظ أن هناك استخدامات لأرقام معينة في أحاديثنا وأفعالنا، وأخذت أفكر في ذلك وأضرب (أخماساً بأسداس)، واتضح لي صحة الملاحظة، وها أنا ذا ذكرت الآن لا شعـورياً الأخماس والأسداس، وكيف تركب لو أنني قلت بدلاً منها: ضربت (أسباعاً بأثمان) أو (أثلاثاً بأرباع)؟!لا تخلو دراسة أو مراسلة في العـمل من جداول مزودة بأرقام، ويقترح بعـض خبراء التواصل عـدم إيرادها في صلب التقرير؛ بل وضعـها في الملاحق (appendix) – ومن الطريف أن أصل الكلمة لاتيني؛ وتعـني الزائدة الدودية!
وكانت البريطانية فلورنس ناينتينجيل أول من استشهد بالأرقام ضمن تقريرها الذي قدمته لوزارة الصحة البريطانية وذلك ضمن جداول؛ وحولتها لمخططات وأشكال بيانية.
قال خبير في معـرض هذا الموضوع: «رب رقم يغـني عـن مئات الكلمات»..! والأرقام سلاح ذو حدين؛ فهي مفيدة في الإعلام عـن وضع مؤسسة ما؛ وفي الوقت نفسه هي مرعـبة ومؤذية.. خصوصاً عندما يستخدمها مدير فاسد كوسيلة مكياج لتحسين صورة منشأته!
وقد تكون الأرقام مضللة: كيف؟ حينما نستخدمها بشكل متوسط حسابي أو نسبة؛ خذوا هذا المثال: فلان يده في الثلاجة ورجله في الفرن؛ فالمتوسط الحسابي «المضلل» يوحي بأنه مرتاح؛ في حين هو مثلج من فوق ويكتوي من الأسفل! مثال مؤسساتي: متوسط الدخل القومي؛ لا يعـبر عـن واقع دقيق في واقع الأمر؛ فقد يكون وضع الدولة موضوع الدراسة مثل ما يعبر عـنه مبدأ باريتو 30-70؛ أي إن 30 بالمئة من السكان – الحيتان- يستحوذون عـلى 70 بالمئة من الدخل؛ في حين 70 بالمئة الباقية من المواطنين -الغـلاااابـــة- لا يحصلون سوى عـلى 30 بالمئة من موارد البلاد.
وقد يغضب المدير على موظفه الذي تمرد عليه خارجاً من دون إذن، فيصرخ في وجهه قائلاً: روح انقلع في (60) داهية، وهو لن يبدل الرقم بـ50، ولا حتى 90 داهية.
كما أن العامل الآسيوي عندما تكلفه بعمل وينهيه، وتسأله عن جودته، سرعان ما يهز لك رأسه قائلاً: (مية.. مية)، ولكن لماذا الـ(100) بالذات وليس الـ(1000) مثلاً؟
بعكس إذا أردت أنت أو أنا أو أي واحد، يريد أن يبارك للآخر سواء بالنجاح أو المكافأة أو الترقية، فلن يجد غير الرقم (1000)، فيقول له وهو مغمض (ألف مبروك)، ولن يستبدل رقماً آخر به، أما أنا إذا أردت أن أهنئ أحداً فسأقول له (مليار مبروك) – ما دامت الأرقام (ما عليها جمرك).!
ومن أكثر الأرقام استعمالاً هو رقم (7)، عندما يعجز عامل عن فهم شيء ما، فيعبر عن خيبته بقوله: (والله دخت السبع دوخات)، وإذا كنت بليداً واتصل أحد عليك ولم ترد عليه، فتقول له كاذباً: آسف والله كنت في (سابع نومة).
وأطول مدة تعبر عن ضجرنا من كلام أحدهم هي أن نقول عنه: أخذ يحكي ويعيد ويزيد بنفس القصة (طوال ساعتين) – ولم تخطر على بالك ثلاث أو أربع أو خمس ساعات – في حين لو كان المتكلم غير ثرثار وأنت معجب به لقلت عنه: الحقيقة أنه قال (كلمتين ورد غطاهم)، رغم أنه قال ما لا يقل عن (200) كلمة.
وإذا استرسلت في ضرب الأمثال باستخدام الأرقام فلن تكفيني هذه الصفحة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن