لستُ من متابعي الحركة الفنية أو الغنائية في العقدِ الأخير، لكن كثرةَ حديثِ الأصدقاء في العالمِ الأزرق عن أغنية المطرب اللبناني وائل كفوري «البنت القوية» دفعتني للاستماع إليها، تحديداً بعد أن اجتاحت هذه الأغنية قصص الصديقات اللواتي ظنَنَّ أن هذهِ الأغنية تمثلهنَّ، لكن نجاح هذه الأغنية لا يمنعنا من التساؤل: من البنت القوية؟
يبدو الجواب أشبهَ بحقلِ ألغام لأنكَ ستحتارُ أيها سيرضيهنّ، تحديداً أن مفهوم القوة هنا غامض. هل المقصود هي تلك التي تضرب الرجل مثلاً كردٍّ للدين لكونَ بعض «الذكور» يضربون النساء؟! بهذه الحالة هي ليست قوية بل تنافس أولئك الحمقى على لقب الدونية. هل هي تلكَ التي تشتم كالرجال مستندة إلى فكرة «التمرد على الواقع»؟ لكن من أقنعها بأن الرجل الذي يشتم قوي؟.
هل هي تلك التي وصلت إلى مراتبَ علمية متقدمة لتثبتَ بأن كذبةَ «ناقصاتُ عقلٍ ودين» هي أتفه ممن يروج لها؟ إذاً هي طموحة مثلها مثل الرجل الطموح ولا علاقة لمفهوم القوة كـ«صراع» بين العقل والعاطفة بهذا الأمر، فالعاطفة مطلوبة عند الرجل كما المرأة.
ما زلنا في هذا الشرقِ البائس نبحث عن تعريفاتٍ لبديهياتٍ تجاوزتها بقية المجتمعات منذ عقود بسبب ابتعادنا عن الوسطية، مثلاً هناكَ من يرى كل مالهُ علاقة بالحالة الإيمانية صنفٌ من أصناف «الداعشية»، في السياق ذاته فإن هناك من يرى أن أي حالة تمرد على الموروث الديني المليء بالأكاذيب هي كفر، كلاهما يريد إلغاء الآخر، لماذا لا نكون في الوسط؟
الأمر لا يختلف كثيراً مع مفهوم «البنت القوية» المستمد من التمرد على الرجل، من قال إن العلاقة أساساً هي حاكم ومحكوم؟ إما أن تكون المرأة خاضعة لا حول لها ولا قوة وإما أن تكون متمردة تتفيأ بمصطلحات تنتهك أنوثتها! ألا يوجد وسطية في الأمر؟
بالتأكيد يوجد لكن هذه الوسطية لا تحققها المرأة بقوة ذراعِها وسلاطة لسانها كما يعتقدن، هذه الوسطية تتحقق عندما تكون المرأة محاطة بمجتمع يجعلها قوية، عندما تنال ثقتها من اقتناع من حولها بأنها ليست سلعة، تستمد ثقتها عندما يقتنع البعض بأنها ليست عورة إلا كما يكون الرجل عورة، وذنب المرأة لا يختلف عن ذنب الرجل، عندما تقتنع بعض النسوة أنفسهنَّ بالإقلاع عن وصف ذكورهنَّ بعبارةِ: «شب ما بعيبو شي»!
في الخلاصة: تبدو فكرة «البنت القوية» أشبه بمصطلح «الماسونية» كلاهما لا وجود واقعياً له، كلاهما يجعلنا نشعر بالخوفِ من دون أن ندري من ماذا؟ يختصرون لك الكثير من القصص والأساطير من دون أن تشعر بصدقِهما لدرجةٍ تشعر فيها بأن مقولة «ما مِن عدو للمرأة إلا المرأة ذاتها» قيلت بالنسوةِ اللواتي يروجنَ لمصطلحات كهذه، لكن من «البنت القوية»؟
هي التي تنثر أنوثتها عبقاً، وتجعلُ من تضاريسها أنشودةَ جمال، هي التي تبني طموحها برقي وتجعلُ من عينها محجاً للأمل، وإن جار عليها الزمن جعلت رأسَ من تحب بين ذراعيها، وهل هناك من قوة أبعدَ من احتضان الآخر والدموع في عينيك؟! وما عدا ذلك لا تصدقوا أن هناك «امرأة قوية».