قضايا وآراء

إقليم العائلتين

| أحمد ضيف الله

على مدى سنوات معاناة مؤسس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وأمينه العام (مام) جلال الطالباني أو العم جلال بالعربية من مشاكل صحية، التي بدأت حين أُدخل إلى مدينة الحسين الطبية في الأردن في الـ25 من شباط 2007، ومن ثم اشتداد مرضه لإصابته بجلطة دماغية نهاية عام 2012 ما استدعى نقله إلى ألمانيا للعلاج، حتى الإعلان عن وفاته في الـ3 من تشرين الأول 2017 بعد صراع طويل مع المرض، غاب خلالها عن متابعة شؤون حزبه، ما فاقم مشاكله الداخلية، لتبدأ بانشقاق نوشيروان مصطفى السكرتير العام للحزب وتأسيسه حركة التغيير (كوران)، وانقسام قيادات الحزب إلى ثلاث كتل رئيسة متناحرة، الأولى كتلة أسرة الطالباني، ممثلةً بعقيلته هيرو إبراهيم أحمد وأولاده، وأولاد أخيه شيخ جنكي، والثانية ممثلةً بالنائب الأول للأمين العام كوسرت رسول وأولاده، والثالثة مثّلها النائب الثاني للأمين العام برهم صالح الذي انشق لاحقاً مشكلاً حزب (التحالف من أجل العدالة والديمقراطية) ثم عاد إلى صفوف الاتحاد، بعد الاتفاق على دعمه لرئاسة جمهورية العراق.
وبعد مخاض طويل من الصراعات الداخلية، تمكنت الأسرة الطالبانية من خلال المؤتمر الرابع لحزب الاتحاد الوطني الكُردستاني، الذي عُقد في مدينة السليمانية في الـ18 من شباط 2020، تمرير انتخاب أولاد العم بافل الطالباني النجل الأكبر للراحل جلال الطالباني، وابن عمه لاهور شيخ جنكي الطالباني كرئيسين مشتركين للحزب، رغم التضارب في الرؤى بينهما حيال القضايا التنظيمية داخل الحزب، والمسائل الخارجية، وتلك المتعلقة بالعلاقة مع الأحزاب الأخرى.
ليلة الـ8 من تموز 2021، شهدت محافظة السليمانية، المعقل الرئيس للاتحاد الوطني الكردستاني، توتراً سياسياً وأمنياً كاد يفضي إلى مواجهات عسكرية، حينما قامت قوة مقربة من بافل الطالباني بتوقيف كل من: محمد تحسين الطالباني رئيس مؤسسة المعلومات وكالةً، وهو ابن أخت لاهور شيخ جنكي وشقيق إلا الطالباني رئيسة كتلة الاتحاد الوطني في المجلس النيابي العراقي، ورنج شيخ علي مستشار رئيس المؤسسة المعلومات، على خلفية القرارات التي كان قد أصدرها بافل، ومنح بموجبها منصب رئيس مؤسسة المعلومات (زانياري)، وهي إحدى تشكيلات مجلس أمن إقليم كردستان في محافظة السليمانية، لشخصية مقربة منه وهو أجي أمين، ومنصب رئيس مؤسسة مكافحة الإرهاب في محافظة السليمانية لوهاب حلبجيي، بدلاً من ابن عمه بولاد شيخ جنكي الطالباني، شقيق لاهور شيخ جنكي، إضافة إلى قيام بافل بإجراء تغييرات في مناصب مسؤولي الأقسام وكوادر إدارة مطار السليمانية، إلا أنه بعد تدخل عدد من الوسطاء من مسؤولي الاتحاد الوطني السابقين والحاليين، وشخصيات من خارج الاتحاد، أطلق سراح الموقوفين بعد 24 ساعة من اعتقالهم، ما حال دون وقوع اشتباك مسلح بين أنصار أولاد العم.
التغييرات التي تمت، رتبها شقيق بافل، قوباد الطالباني نائب رئيس حكومة إقليم كردستان، بالاتفاق مع نيجيرفان البرزاني رئيس إقليم كردستان، الذي أصدر قرار تعيين مسؤولَي مكافحة الإرهاب ومؤسسة المعلومات في السليمانية الذي مثل سابقة، لأن الأجهزة الأمنية والبيشمركة في السليمانية كانت دائماً مستقلة ولا تخضع لسلطة حكومة الإقليم في أربيل، منذ جولات الاقتتال بين الديمقراطي والاتحاد الوطني التي سميت حرب الإخوة التي استمرت من أيار 1994 حتى أواسط 1998، حتى الآن.
بافل الطالباني حسم جولة الصراع لمصلحته على حساب أبناء عمومته، بعد أن أصبحت كل القوة العسكرية للحزب الآن بيده، منهياً بذلك نظام الشراكة في القيادة، خاصة أنه صار يذيل بياناته بتوقيع «رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني» بدلاً من لقب الرئيس المشترك، كما كان في السابق، بينما اعتبر لاهور شيخ جنكي في بيان له في الـ12 من تموز الحالي، أن «الاتحاد يتعرض لمؤامرة خارجية من الديمقراطي الكردستاني ومن تركيا»، متعهداً بـ«التصدي لها وايصال الحزب إلى بر الأمان».
إن المؤسسات الأمنية المُتصارع عليها هي مُجرد واجهة لمسألة أساس، وهي الهيمنة العائلية على السلطات والمؤسسات ومصادر الأموال من تهريب النفط وبيعه، والإيرادات المتأتية من المنافذ الحدودية.
ومثلما حصل في تفرد الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل، بفرض نيجرفان إدريس البرزاني لرئاسة الإقليم وابن عمه مسرور مسعود البرزاني لرئاسة حكومة الإقليم رغم مقاطعة باقي الأحزاب الكردية ذلك، في ظل استمرار الصراع الخفي والتنافس المعروف بين أولاد العم، بسبب الصلاحيات الواسعة الممنوحة لكل منهما، فإن الحزبين الرئيسين (الديمقراطي والوطني) يهيمنان على مقاليد السلطة في إقليم كردستان، مرسخين حكم العائلتين (البرزاني والطالباني) منذ عام 1991، مهمشين باقي القوى والأحزاب الكردية المطالبة بإجراء الإصلاحات، لتصاعد مظاهر الفساد من الحزبين، وتبديدهما ثروات الإقليم والعراق النفطية، والفشل في تجربة بناء مؤسسات حقيقية تستند إلى سيادة القانون والعدالة والمساواة.
إنه حقاً إقليم العائلتين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن