قضايا وآراء

المُعجزة.. قراءة في خطاب الرئيس الصيني

| الدكتور قحطان السيوفي

في خطابه بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني استعرض الرئيس شي جين بينغ تاريخ الحزب الشيوعي منذ تأسيسه وكيف حقق النهضة العظيمة للأمة الصينية، والاعتماد على النفس، والإصلاح والانفتاح والتنمية السريعة، وتعزيز وتحديث الاشتراكية ذات الخصائص الصينية.
وأوضح السبب لنجاح الحزب والدولة وكيفية مواصلة النجاح في المستقبل.
تعد هذه الكلمة بياناً سياسياً لجميع أعضاء الحزب والوثيقة المنهجية للاستمرار مستقبلاً، وقال: لا نسمح لأي أحد بالتنمر على الصين أو اضطهادها أو إخضاعها.
لقد ولى إلى غير رجعة الزمن الذي كان يُمكن فيه أن يُداس الشعب الصيني وأن يعاني وأن يُضطهد وأن النهضة الصينية «مسيرة تاريخية لا رجعة فيها» ووجّه شي رسائل ضمنية في خطابه إلى الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر الصين منافسها الأول.
تحدث الرئيس الصيني عن دور الحزب الشيوعي في تاريخ الصين الحديث، وأن محاولات فصله عن الشعب «ستفشل». تمكن الحزب من الإطاحة بالجبال الكبيرة الثلاثة المتمثلة في الإمبريالية والإقطاعية والرأسمالية البيروقراطية، ليؤسس جمهورية الشعب سيداً للدولة، غاص الرئيس الصيني في خطابه في أعماق التاريخ مذكراً بالحروب التي شهدتها بلاده ليقول للعالم: الشعب الصيني نهض، وانتشل مئات ملايين المواطنين من وهدة الفقر المدقع وإن الأمة الصينية عظيمة، ولها تاريخ حضاري يمتد لأكثر من خمسة آلاف عام، وقدمت إسهامات للحضارة البشرية.
وتم تحرير العقول، وتحقيق منجزات عظيمة وإرساء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية والدفاع عنها وتطويرها، مما حقق تحولاً تاريخياً من نظام الاقتصاد المركزي إلى نظام اقتصاد السوق الاشتراكي، ومن الانغلاق إلى الانفتاح الشامل، مؤكداً أن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية هي وحدها القادرة على تنمية الصين.
وكي تحتل المركز الثاني في العالم من حيث إجمالي الحجم الاقتصادي أكد أن فكرة «وضع الشعب بالمقام الأول، فالدولة هي الشعب والشعب هو الدولة، حيث أن الاستحواذ على السلطة، يعني الحرص على تأييد الشعب.
وتكمن قوة الحزب الشيوعي الصيني في الشعب. ويجب الالتزام بالهدف الأساسي المتمثل في خدمة الشعب، واحترام روح المبادرة لدى الشعب، وتطبيق فلسفة تنموية تتمحور حول الشعب، وتطوير الديمقراطية الشعبية. لا بد لنا من التمسك بالتضامن والوحدة والتنوع، وبلورة التوافق على نطاق واسع بين كل أبناء الأمة الصينية داخل وخارج البلاد والحفاظ دائماً على الارتباط بجماهير الشعب ارتباط الدم باللحم، ومشاركة أبناء الشعب والعمل على الدوام في سبيل تحقيق تطلعاتهم لحياة سعيدة، الشعب الصيني لم يظلم أو يضطهد بتاتاً شعوب الدول الأخرى، لم يفعل ذلك في الماضي ولا يفعل ذلك الآن ولن يفعل ذلك في المستقبل.
أكد شي أنهم يتمسكون بالماركسية اللينينية والدمج بين المبادئ الأساسية للماركسية والواقع الملموس الصيني ومراقبة مستجدات العصر ومواكبتها، بالمقابل أكد شي على عصرنة الدفاع الوطني والجيش وتطبيق المبادئ الإستراتيجية العسكرية للعصر الجديد، والتمسك بقيادة الحزب المطلقة للجيش الشعبي، ودفع بناء الجيش سياسياً وتقويته عبر الإصلاح والعلوم والتكنولوجيا على صعيد العلاقات مع العالم والحفاظ بشكل مشترك على القيم المشتركة للسلام العالمي والتعاون والتنمية والعدالة والديمقراطية وبناء علاقات دولية جديدة مبنية على القيم المشتركة للبشرية.
أشار الرئيس الصيني إلى الاهتمام بمستقبل البشرية ومصيرها، وتتعاون الصين دائماً مع من يبني السلام العالمي ويحمي النظام الدولي.
وأكد بذل جهود مشتركة مع سورية وغيرها من الدول والشعوب المحبة للسلام في العالم، لتكريس قيم السلام والعدالة والديمقراطية والحرية، والتمسك بالتعاون وبالانفتاح بدلاً من الانغلاق، والمنفعة المتبادلة، وترفض الصين نزعة الهيمنة وسياسة القوة.
في مواجهة انحسار العولمة، دعا الرئيس الصيني إلى البناء المشترك عالي الجودة للحزام والطريق، والترويج لعولمة اقتصادية منفتحة وشاملة ومتوازنة، أما في مواجهة الهيمنة والأحادية، أكد الرئيس الصيني أن مصير العالم يجب صياغة القواعد الدولية بشكل مشترك من قبل جميع البلدان، وأن تدير كل دول العالم معاً شؤون العالم المختلفة.
في رأينا الصين دولة استطاعت في زمن قياسي أن تقدم نموذجاً مختلفاً يسمح بالمساهمة في صياغة عصر جديد على الصعيد الاقتصادي يرى مراقبون (شيوعية الصين من دون شيوعيين) فرضت الصين نفوذها كثاني أكبر اقتصاد عالمي، معتمدة نموذجاً نجح في تحرير القطاع الخاص وفتح مجالات الثروة لتضم 5. 8 ملايين ثري من أصحاب الملايين.
حزب شيوعي بنكهة رأسمالية يحكم خمس سكان العالم.
تحتل الصين المركز الثاني في الاقتصاد العالمي والمركز الأول في التجارة والاستثمارات، لذا كانت الصين موضع اهتمام قمة مجموعة الدول الصناعية، إذ أكد بيانها الختامي أن «النفوذ المتنامي للصين وسياستها الدولية تشكلان تحديات. وأصرت أميركا على إنشاء صندوق البنى التحتية العالمي لإعادة بناء العالم مقابل مبادرة الحزام والطريق ونجحت الصين في إظهار أن الدولة يمكن أن تلعب دوراً إيجابياً في إدارة الاقتصاد، وهو ما يتناقض مع الأفكار الاقتصادية الرأسمالية الأميركية التي لا تؤمن بدور الدولة الاقتصادي الفاعل.
وقامت الصين بتأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ولتطوير طريق الحرير التاريخي الذي يربط الصين بأوروبا تجارياً عبر آسيا الوسطى والغربية، ويربط نصف سكان الأرض تقريباً ببعضهم البعض وانضمت إليه نحو 50 دولة من بينها 19 دولة عربية.
ويقول مان كبير الاقتصاديين في بنك تشارترد: الصين الحالية أكبر المعجزات الاقتصادية في التاريخ.
خطاب الرئيس الصيني جاء في مناسبة سنوية تقليدية لم يكن تقليدياً، وينتقل صاحبه من الدفاع إلى الهجوم، ولعله جاء رداً على جولة الرئيس الأميركي جو بايدن الأوروبية التي كان هدفها الأول ترميم «العالم الغربي» وتوحيده في مواجهة قوة الصين العالمية الصاعدة.
إن نجاح الصين، يوفر إلهاماً كبيراً للبلدان الأخرى في سعيها لتحقيق تنميتها وحبذا لو استطاع العرب الاستفادة من تجربة الصين المعجزة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن