ثقافة وفن

«سر نبوءتي» نصوص متمردة وحاملة لهموم المرأة … رنا محمود: صوتي مرسال قلبي فافتحوا له أفئدتكم تروا مفاتيحه

| وائل العدس

تبرع الشاعرة والفنانة التشكيلية رنا محمود في رسم الصورة الأدبية وتجسيدها داخل النص الشعري بما يتوازى مع لوحة تشكيلية محتشدة بكل تفصيلات الحياة، فبعض أعمالها الفنية تتزاوج مع نصها الشعري، وأحياناً تأتي الفكرة الشعرية من وحي اللوحة أو المنحوتة.

تحقق هذا التعدد الفني والجمالي من خلال اهتدائها إلى توليفات فنية عدة، حيث نجدها قادرة على جمع جماليات الفن التشكيلي داخل قصيدة، وقد نجدها قادرة أيضاً على رسم ألوان تعبيرية بالكلمات عن تدفقات شعرية عميقة.
ولأن الجمال يقود إلى الجمال ويعانقه في أي بقعة في الكون، فإننا نجدها مبدعة في الأدب ومتذوقة وعاشقة للرسم.
وبالنسبة إليها، الفنون كلها واحدة، يمكن أن تكتب لوحة بالكلمات ويمكن أن ترسم المشاعر في قصيدة، وتعتبر الفن نتاجاً إبداعياً للإنسان، سواء كان لفظياً أم سمعياً أم بصرياً، لتعبر عن فكرتها وتترجم أحاسيسها ومشاعرها برسالة واحدة هي الإنسانية التي يجب أن تكون رسالة كل فنان وشاعر، وبالحب نصل إلى كل ما نصبو إليه وفقاً لقولها.

سر نبوءتي

مؤخراً، أطلقت رنا محمود مجموعتها الشعرية الجديدة «سر نبوءتي» وهي صادرة عن دار أرواد للطباعة والنشر وتحوي 47 نصاً بمضامين وطنية ووجدانية عبّرت عن حالة الشغب الطفولي لدى الشاعرة.

الديوان عذب وشائق وجدير بالاقتناء وعنوانه يدفع القارئ لاستكشاف خفاياه وأسراره، وهو ثالث إصدارات الشاعرة بعد «صرخة أنثى» و«الأرض بعض ظلي».
وقد تعمدت كتابة نصوص متمردة وحاملة لهموم المرأة الشرقية في سعيها إلى الخلاص من القيود وما في وجدانها من حب وحنين.
وتعد المجموعة الثالثة امتداداً للمجموعتين السابقتين، لكنها أكثر نضجاً وعمقاً وبُعداً عن المباشرة، بنصوص شعرية غلبت عليها روح التمرد والأنا الذاتية في المضمون وقصيدة النثر في الشكل.

روح أنثوية

في حديثها لجريدة «الوطن» أكدت رنا محمود أنها أطلقت ديوانها الجديد في اللاذقية قبل عشرة أيام على إطلاقه في دمشق، مشيرة إلى أنها اختارت العاصمة لأنها محطة رئيسية ومهمة في مسيرة أي كاتب أو فنان، وفيها يشعر الإنسان بأن عليه إثبات ذاته وحضوره وخلق بصمة متميزة لا تمحى، كاشفة أنها أطلقت دواوينها الثلاثة في دمشق واللاذقية.

وقالت: «نسجت في مجموعتي الجديدة كل ثقافتي وفكري وخبرتي وإحساسي ومكنوناتي ومشاعري لأقول ما أريد قوله بصوت عالٍ».

وأشارت إلى أن الديوان الجديد يتحدث عن الإنسان والمرأة والوطن بروح أنثوية تعبّر عن هواجسي.

وعن السر الذي أرادت إيصاله عبر الديوان الجديد قالت: «السر لا يباح ويبقى سراً، لكن قصدت أن الأنبياء اتهموا أنهم شعراء، وهنا أقول: إن الشعر يمكن أن يتنبأ أيضاً كما الأنبياء، صوتي مرسال قلبي فافتحوا له أفئدتكم تروا مفاتيحه».
وأضافت: «سأبقى أكتب وألوّن مازال في الحياة ما يستحق العيش مع كل هذا الضغط واليأس والخوف، وعلينا أن نبحث عن الإيجابي والجديد ولابد من استقبال الفشل بأي لحظة بأمل وإصرار لتقديم الأفضل.

وشددت أن غايتها في الفن والشعر واحدة بالتعبير عن الهواجس والمكنونات عبر اللون أو الحرف.
وختمت: «أنا إنسان تجريبية، والتجربة هي مدرستي في الحياة وعلينا أن نطورها، فكلما نضجت تجربتنا امتلكنا خبرة ورؤية أعمق».

حين شاء أبي

هذه القصيدة ترتيبها الأول في الديوان وقد سمتها الشاعرة رنا محمود «الفاتحة»، مؤكدة أنها مزجت فيها الشعر والفن:

حينَ شَاءَ أبي.؟!
أنْ يَرسِمَني لَوحَةً
أنجَبَتنِي أُمّي قَصيدَةً
لَا تُشبِهُهَا قَصيدَةٌ أُخرَى
وَصِرتُ أُلَوّنُ الفَرَاشَاتِ بِأنفَاسِ الطّفُولَةِ
وَأُعَلّقُ الزّهورَ ضَفَائِرَ عِشقٍ عَلَى كَتِفي.!!
فَيَا لِدَمي المَغسُولِ بِوَميضِ الكَلِمَةِ
المُبَارَكِ بِشِعريّةِ الّلوحَةِ فِي عُيونِ المونُولِيزَا
أنَا الفَرَاشَةُ وَالفُرشَاةِ والألوَانِ
وَحَكايا ألفِ لَيلَةٍ وَلَيلَةْ
وَرُوحِي طُيُورُ عِشقٍ تُحَلّقُ في سَمَاءِ قَاسَيُونَ
وَنوَارِسُ الّلاذِقيّاتِ شَقِيقَاتِ البَحرِ
فَلِمَاذَا جُبِلتُ بِزَرقَاءِ اليَمَامَةِ فِي فِتنَةِ البَصَرِ
أرسُمُ الأشجَارَ شِعرَاً
وَأبثّ
دِمَائِي كألوانِ قَوسِ قُزَحْ؟
هَذِهِ شَارَتِي وَإشارتي فِي الحُورِيّاتِ
وَسَأظَلّ أُعَلّقُ الشّعرَ قَنَادِيل» بَرتُقَالِيةَ الألوانِ
في كلّ شَوارِعِ الشّامِ القَدِيمَةِ لِتَعرِفَ مَنْ أنَا..؟!
وَتَمنَحَ الأطفال أجنِحَةَ الخُلُودِ
فَمَنْ أنَا.؟
آنَا – وَآهِ مِنْ أنَا -..!
قَصيدَةٌ أنجَبتهَا أُمّي..
… عِندَمَا شَاءَ أبِي.؟!!

سيرة ذاتية

يذكر أن رنا محمود خريجة علم اجتماع في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة تشرين، تمارس الرسم والنحت إلى جانب الكتابة، ولها مشاركات في معارض مختلفة، وحققت نجاحات متتالية رغم كل ما يواجهها من صعاب، مبدية إصرارها على الوصول إلى الهدف رغم أنها كانت وما زالت تشق طريقها وحدها.
لها مشاركات شعرية كثيرة في المراكز الثقافية داخل اللاذقية التي تقيم فيها، أو خارجها في دمشق وحمص وحماة والسلمية وطرطوس وجبلة وبانياس.
أما في مجال الفن، فلها تجارب بالرسم والنحت عبر أعمال شاركت فيها بمعارض عديدة داخل وخارج القطر في مصر وتركيا وألمانيا، ومن أهم أعمالها منحوتة «الملكة».
آخر مشاركاتها الفنية كانت يوم الأحد الماضي في معرض «شموع السلام» في خان أسعد باشا بدمشق بمنحوتة «أنثى البحر».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن