ثقافة وفن

السينما الأرجنتينية.. تحط رحالها في دمشق! … وزيرة الثقافة: تعزيز الطريق لتطوير العلاقات والتفاهم بين البلدان … السفير الأرجنتيني: الثقافة وسيلة لتوحيد شعوبنا المتآخية بصلة الرحم

| سارة سلامة

شكلت السينما الأرجنتينية واحدة من أهم ثلاث تجارب سينمائية في أميركا اللاتينية إلى جانب التجربتين المكسيكية والبرازيلية، كما أن الإنتاج السينمائي الأرجنتيني تحول على مدى القرن العشرين إلى أحد الإنتاجات السينمائية الرئيسية باللغة الإسبانية في العالم، والذي ضم قائمة من أهم المخرجين والممثلين.
حيث اختتمت في دمشق عروض السينما الأرجنتينية، في دار الأسد للثقافة والفنون، تم خلالها عرض ثلاثة أفلام هي «إلسا وفريد» و«في انتظار عربة دفن الموتى» و«خوان موريرا». وهي عروض أتت ثمرة تعاون بين المؤسسة العامة للسينما السورية وسفارة الأرجنتين بدمشق.
فعالية جميلة ومهمة تطلق الحوار بين الحضارات والشعوب، لأن السينما هي مرآة نرى من خلالها ونطّلع على الثقافات والعادات والتقاليد.. حالة مثيرة جعلتنا في دار الأوبرا نخطو نحو أميركا اللاتينية نكتشف صياغة حكاياتها ونغوص في تفاصيل ناسها.
هي تجربة غنية وبحاجة إلى أن تجمعنا بمختلف البلدان أيضاً لنتقفى أثرهم ونزاوج الخبرات في أسلوب صياغتهم وعملهم.
وكان قد عرض في الافتتاح فيلم بعنوان «إلسا وفريد»، وهو دراما كوميدية إخراج ماركوس كارنيفال، بطولة كل من: «السين زوريلا، مانويل أليكساندر، بلانكا بورتيلو، وروبرتو كارناغي».
وتختصر حكايته الأمل الذي يعيشه الإنسان حتى الرمق الأخير من حياته، من خلال ثلاثة أشخاص، امرأة مسنة لا تعترف على سنها ومرضها، وتعيش الحياة بشغف وروح الشباب، تتقاطع حياتها مع رجلين مسنين يقعان في حبها لتتطور الأحداث لاحقاً في إطار اجتماعي فيه ملامح من السخرية والتراجيديا».

مقاربات مبتكرة

وبينت وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح: «أن تاريخ السينما الأرجنتينية كبير، وهي واحدة من أجمل السينمات في أميركا اللاتينية، على امتداد القرن العشرين، وهي خطوة مهمة لأن السينما تعزز الطريق لتطوير العلاقات والتفاهم بين البلدان».
وأضافت مشوح أن: «هذا المهرجان له أهمية خاصة ليس فقط لأنه يقوي علاقات الصداقة مع الأرجنتين، بل لأنه يتيح للجمهور السوري أن يكون على احتكاك مباشر مع فكر ربما يكون جديداً عليه، هو مقاربات سينمائية ربما تكون مبتكرة وفيها تقنيات جديدة، ونحن نطمح في تطوير صناعتنا السينمائية لتصبح رافداً من روافد اقتصادنا الوطني لا عبئاً عليه».

تقريب أفكار الشعوب

ومن جهته قال مدير المؤسسة العامة للسينما مراد شاهين: «إن السينما حاضرة بين الدول من وجهة النظر الدولية، وحاضرة من وجهة نظر إنسانية وثقافية، وهي أكبر دليل على أن المجتمع الإنساني يشترك في الكثير من العادات والطبائع والتقاليد، فالسينما تساهم بشكل كبير في تقريب أفكار الشعوب من بعضها، وهذا التعاون مهم لأنه يتيح لنا التعرف على تجارب الآخرين، والاطلاع على عادات وتقاليد وطبيعة مجتمع آخر ومحاولة فهم تقاليده وعاداته، كذلك يمكننا من التعرف على التجارب السينمائية الأخرى والاستفادة منها، وبالتالي معرفة ما وصلت إليه الأرجنتين تقنياً ودرامياً»

توحيد شعوبنا

وبيّن سفير الأرجنتين سبيستيان زافالا في كلمة له أننا: «نعمل على تنشيط أعمال السفارة مجدداً، واخترنا أن تكون البداية من خلال الثقافة، لأنها وسيلة لتوحيد شعوبنا المتآخية بصلة الرحم، لأن المجتمع الأرجنتيني اغتنى بمواطنين من أصول سورية قدموا لبلدنا الكثير في جميع مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية».

وأفاد زافالا : «إن الأفلام التي ستعرض تعكس صورة الأرجنتين، وتم انتقاؤها لأنها تجسد خصوصية الأرجنتين الحضارية والريفية والشعبية، وهي أفلام تعالج موضوعات عميقة للبشرية جمعاء».

إغناء ثقافة الفرد

وقال المخرج أحمد إبراهيم أحمد: «إن هذه الحالة صحية بوجود تشاركية مابين المنتج الثقافي مع الدول سواء العربية أم الغربية للمتلقي السوري، ويشاهد نوعاً آخر من الفكر والتعاطي مع الأشياء بشكل مختلف عن ثقافتنا، لأن هذا الحوار يساعد في إغناء ثقافة الفرد، ويساعد طلاب دبلوم السينما بالاطلاع على ثقافات متجددة».

بينما قالت الممثلة رباب مرهج: «طريقة العرض المباشر في قاعة السينما تحقق طقساً سينمائياً رفيعاً وتعزز الثقافة، وهي خطوة تحسب للمؤسسة العامة للسينما كونها تساهم في عودة الحياة الطبيعية للسينما».

تاريخ السينما الأرجنتينية

نشأت السينما في الأرجنتين بعد عام على ظهور الفن السينمائي في العالم، وشهد مسرح «أوديون» في بيونس أيريس في 18 تموز 1896 أول عرض سينمائي في البلاد، كما تم عرض الأفلام القصيرة الأولى للأخوين لومير.
والتي كانت قد عرضت قبل سنة واحدة من ذلك التاريخ في العاصمة الفرنسية باريس، علماً أن تلك العروض لم تكن تشكل حتى تلك اللحظة أكثر من وسيلة للهو والنشاط التجاري.
الأفلام الوطنية الأولى في عام 1897، أخرج الفرنسي إيجينيو بي الفيلم الوثائقي «العلم الأرجنتيني»، الذي يقوم على رؤية وثائقية للعلم الأرجنتيني وهو يرفرف في ساحة «بلازا دي مايو»، التي تتوسط العاصمة الأرجنتينية، ويمكن اعتبار هذا الفيلم الوثائقي أول عمل سينمائي وطني أرجنتيني وتبعه «رحلة إلى بيونس آيريس» في عام 1900 و«مجلة المنتخب الأرجنتيني» في عام 1901، ما دفع إلى ظهور أول دور العرض السينمائية في بيونس آيريس.
ويمكن القول إن صناعة السينما في الأرجنتين استهلت مسيرتها عملياً مع وصول نظام الصورة الصوتية إلى البلاد ذلك أن الصوت ساعد على ظهور الراديو وساهم في تطور صناعة الإسطوانات ومسرح المجلات، وبلغت أهمية تقنية الصوت حدودها القصوى حين فرضت على الممثلين الغناء رغم عدم استعدادهم لذلك، وهكذا يمكن اعتبار أن تقنية الصوت مهمة في السينما الأرجنتينية إلى أبعد الحدود لما لعبته من دور كبير في هذه الصناعة في حين لم تتمكن السينما الصامتة من الوصول إلى جمهور عريض في البلاد.
أول فيلمين صوتيين (دون أقراص) عرضا فيلم «تانغو»، 1933، و«سجناء الأرض»، 1939، و«فتاة على متن الطائرة»، 1936، وفيلم «العودة إلى العش»، 1938، تلك الأفلام سجلت لحظة نضج السينما الأرجنتينية في الثلاثينات التي برز خلالها نجوم كبار مثل ليبرتاد لامالركي، تيتا ميرييو، بيبي آرياس، لويس ساندريني ونيني مارشال.
وفي العام 1940 دخلت السينما الأرجنتينية في أزمة طويلة مفرداتها المنافسة التجارية للسينما الأميركية وسيطرة السينما المكسيكية التي كانت تمر بعصرها الذهبي آنذاك، كانت تسيطر على السوق في البلدان التي تتحدث اللغة الإسبانية.
بعض الأفلام المهمة التي ظهرت في تلك الحقبة جاءت تحت عناوين مثل «قصة ليلى»، 1941، و«السيدة العفريتة»، 1945، وكلاهما من إخراج لويس ساسلافسكي.
كما ظهر فيلم «غاوتشه»، 1942، و«مالامبو» 1945، للمخرج لوكس ديماري وهوغو فريغونيسي، «كرة من القماش»، 1948، و«جريمة أوريمي»، 1950، للمخرج ليوبولدو توريس ريوس وأخيراً فيلم «المياه تنزل عكرة»، 1952، للمخرج هوغو ديل كارير، كما لمع في عالم الشهرة في تلك الحقبة نجم الشقيقتين التوأمين الممثلتين ميرثا ليغران وسيلفيا ليغران.

انطلاق السينما الأرجنتينية

منذ عام 1957 تمكن جيل جديد من المخرجين من جمع المهارة التقنية مع جماليات مصقولة مثيرة للإعجاب، ما سمح للسينما الأرجنتينية بالمشاركة في مهرجانات عالمية مهمة.
ليوبوردو توري نيلسون، فرناندو أياله، ديفيد خوسيه كوهون، سيمون فيلدمان وفرناندو سولانس كانوا أبطال هذا التجديد في السينما الأرجنتينية في سيتينات القرن الماضي.
الحالة الاستثنائية كانت حالة هوغو سانتياغو، مبدع الفيلم الثقافي «غزو وآخرون»، الذي هاجر إلى فرنسا بصورة نهائية، لكن في وقت لاحق تمكن مخرجون آخرون من إتقان أسلوبه الفني السينمائي، مثلما برز آخرون في ميدان سينما الأطفال، لكن لعل أبرز ما قدمته السينما الأرجنتينية الجديدة في مرحلتها تلك إنما يتمثل في فيلم «القصة الرسمية»، 1984، والذي يتناول موضوع سرقة الأطفال أيام الديكتاتورية الأرجنتينية وهو أول فيلم أرجنتيني يفوز بجائزة أوسكار.
وفي ثمانينات القرن الماضي تمكن مبدعون سينمائيون مثل ماريا لويسا بمبيرغ مع فيلم «كاميليا»، 1984، بينو سولاناس مع «منفى غارديل»، لويس بوينزو مع فيلم «القصة الرسمية» وادولفو أريستارين مع فيلم «زمن الانتقام، مكان في العالم»، من جذب انتباه جماهير جديدة.
بيننا نشأ في تسعينات القرن الماضي، تيار جديد عرف باسم «السينما الأرجنتينية الجديدة»، التي تميزت بالطابع المستقل للمشتغلين في الشأن السينمائي وبتغيير ملحوظ في الرؤية والوجهة.
رائد هذه الحركة هو مارتن ريجتمان، الذي أخرج عام 1991 فيلمه الأول «مسروق»، وهناك فيلم آخر يستحق التأمل من ناحية الإخراج هو «خطيئة رقيقة»، 1994، للمخرج ستيبان سابير، إلا أنه كان يتعين على هؤلاء المخرجين الانتظار حتى عام 1998 حتى تحقق أعمالهم انتشاراً واسع النطاق، وأول فيلم في هذا التيار الذي كان له صدى جماهيري حقيقي هو فيلم «بيتزا، بيرا، فاسو» لبرونو ستاغنارو وإسرائيل أدريان كايتانو ويليه «عالم غروا»، 1999، لبابلو ترابيرو وأفلام أخرى سارت على درب ذلك الخط من الأفلام ذات النبرة والشخصيات الحقيقية في ظل ميزانيات وممثلين غير معروفين.

نبذة عامة

منذ البدايات وحتى يومنا هذا عرض نحو ألفين و500 فيلم أرجنتيني مع ملاحظة أن عامي 2004 و2005 كانا أبرز عامين في هذا الميدان، إذ تم فيهما عرض 66 و63 فيلماً على التوالي.
أما في عام 2009، فلقد عرض فيلم «سر عينيك» الذي فاز بجائزة أوسكار عن فئة أفضل فيلم غير ناطق باللغة الإنكليزية، وهو من إخراج خوسيه كامبانيا ومقتبس عن رواية «سؤال عينيك» للكاتب إدواردو ساشيري.
كما يعرض ألبيرتو فيشرمان عمله الأول «ملائكة ساقطين»، الذي يعتبر عملاً تجريبياً بعناصر معروفة في ثقافة الـ «بوب»، وهو يعرض بصفته نموذجاً لما يعرف باسم «سينما- مشاركة» أو الفيلم المفتوح من منظور السينمائي الإيطالي أمبيرتو إيكو الخاص بالعمل المفتوح.
وفي عام 2002، عرض هيرنان أندرادي وفكتور كروز في صالة تغص بالناس في إطار مهرجان بيوينس أيريس الرابع للسينما المستقلة فيلمهما الوثائقي «ليلة الكاميرات المستيقظة» المأخوذ عن نص متجانس لبياتريز سارلو يدور حول أعمال الرقابة والمنع التي جرت تحديداً في مطلع السبعينات والتي مورست على أعمال ما سمي آنذاك «جماعة الخمسة».
وأخيراً نقول: إن الأرجنتين تذهب تجاه نمو نوع القصة السينمائية، أي سينما لا تتوقف عند حدود الشكل، سينما تضع أمامها هدفاً مغايراً للهدف الحسي الذي يعطي الأولوية للأحاسيس على حساب القصة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن