قضايا وآراء

تلطيخ الحصان الأبيض المُجَنَّح

| حسن م. يوسف

يمكن القول إنه ما من اسم يتردد الآن في جهات العالم الأربع أكثر من اسم الكائن الأسطوري «بيغاسوس» Pegasus الذي أطلق الصهاينة اسمه على برنامج التجسس الذي تنفجر فضائحه تباعاً.
تقول الأساطير اليونانية القديمة إن الربة أثينا عاقبت ميدوزا بتحويل شعرها الجميل إلى ثعابين تجعل كلَّ مَن يراها يتحول إلى حجر. وعندما استطاع البطل بيرسيوس بحذائه المُجنَّح وخوذة هاديس ودرع أثينا وسكين هيرمز، أن يقطع رأس ميدوزا، ولد من دمها بيغاسوس، وهو حصان أسطوري مجنح نقي البياض، يعد من أكثر المخلوقات شهرة في أساطير العالم القديم.
صحيح أنه لا علاقة للكائن الأسطوري بيغاسوس صاحب البياض النقي، بالتجسس والعمليات السوداء التي تُربط به، فمن طبيعة اللصوص أن يخبئوا حقيقتهم القذرة خلف واجهات نظيفة ناصعة البياض!
ينتمي برنامج بيغاسوس (الإسرائيلي) إلى فئة البرامج الضارة Malware التي تستفيد من نقاط الضعف الأمنية في الأجهزة الإلكترونية، لاختراقها. ويعدُّ برنامج بيغاسوس أقوى نظام لاختراق الهواتف المحمولة في العالم، فما إن يخترق هاتفك من خلال آلية «التَّصَيُّد الاحتيالي»، أي الرسائل النصية أو رسائل البريد الإلكتروني، حتى يتحول هاتفك إلى جهاز لمراقبتك يعمل طوال الليل والنهار.
يقول جون سكوت رايتون، الباحث في «سيتيزن لاب»: «بإمكان برنامج بيغاسوس فعل أي شيء يمكن للمستخدمين القيام به، بما في ذلك قراءة الرسائل النصية، وتشغيل الكاميرا والميكروفون، وإضافة وإزالة الملفات، ومعالجة البيانات». أي إن هذا البرنامج يُمَكِّن الجهة التي تستثمره من تصويرك سراً من خلال كاميرا هاتفك، وتشغيل الميكروفون لتسجيل كلامك، عدا تحديد مكانك، ومعرفة الأشخاص الذين تقابلهم.
وقد تم العثور على آثار هذا البرنامج التجسسي الخطير في خمس وأربعين دولة حول العالم، بينها سبع عشرة دولة عربية.
لكن ما من داع لأن تشعر بالخوف على بيانات هاتفك، صديقي القارئ، لأن برنامج بيغاسوس غال جداً ولا يستهدف الدراويش مثلي ومثلك، بل هو ينتقي ضحاياه من الرؤوس الكبيرة في مجال السياسة والمال والأعمال، إذ إنه غالي الثمن ولا تقدر عليه سوى الحكومات. فشركة «إن إس أو» المصنعة لبرنامج بيغاسوس، تطلب 650 ألف دولار من العملاء، مقابل اختراق 10 أجهزة هاتف، إضافة إلى نصف مليون دولار رسوم تثبيت البرنامج. «وهذا وفقاً لقائمة أسعار 2016».
وقد نشر مؤخراً تحقيق صحفي خطير جاء ثمرة تعاون سبع عشرة وسيلة إعلامية دولية من بينها «لوموند» الفرنسية، و«زود دويتشه تسايتونغ» الألمانية، و«الغارديان» البريطانية و«واشنطن بوست» الأميركية، وقد تضمن التحقيق قائمة بأسماء شخصيات اخترق بيغاسوس هواتفها، ضمت 189 صحفياً وأكثر من 600 سياسي ومسؤول حكومي، وما لا يقل عن 65 من رجال الأعمال و85 ناشطًا في مجال حقوق الإنسان والعديد من رؤساء الدول ومن بينهم الرئيس العراقي ورئيس جنوب أفريقيا ورئيس وزراء باكستان والرئيس الفرنسي.
المثير للسخرية هو أن برنامج بيغاسوس استخدمته إسرائيل للتجسس على البلدان العربية التي اشترت البرنامج للتجسس على مواطنيها!
لعل أنسب ما أختم به كلامي هو ما جاء في كتاب الدراسات العلمية المحَكَّمة الصادر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت بعنوان «الوحدة الإسرائيلية 8200 ودورها في خدمة تكنولوجيا التجسس الإسرائيلية» للباحثة اللبنانية فاطمة عيتاني:
«تُعَد (إسرائيل) أبرز محاضن تكنولوجيا الاتصالات وأبرزها ازدهاراً في العالم. حيث قُدِّر حجم الصادرات الإسرائيلية من المنتجات الإلكترونية وصناعة أمن المعلومات خلال عام 2018 نحو خمسة مليارات دولار، على حين بلغ حجم الاستثمار في هذا المجال نحو مليار دولار».
أي إن كل دولار استثمر في هذا المجال ربح خمسة دولارات!
فمتى يستيقظ العرب؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن