ثقافة وفن

لا تمرّ مناسبة دينية من دون متابعة فيلم «الرسالة» … رائعة العقاد الباقية عالمياً للاحتفاء بالسيرة الرسوليّة المكرّمة

| سوسن صيداوي

بمناسبة عيد الأضحى المبارك يحرص العديد من القنوات العربية على بث عدد من الأفلام الدينية، رغم قلة عددها وعرضها لأكثر من مرة، إلا أن لها نصيباً كبيراً من المتابعين، الذين ينتظرون مشاهدتها بحكم المناسبات المباركة.
واليوم نتحدث في موضوعنا عن أبرزها شهرة ونجاحاً في تناول حياة الرسول الكريم، رغم الإشكالات والجدل الواسع الذي لحق بفيلم «الرسالة»، الذي هو من إنتاج وإخراج المخرج الراحل مصطفى العقاد، حيث لمعت فكرته في أميركا عام 1970، حين رأى الجهل بالإسلام كبيراً، فأراد أن يقدم للغرب ما يعرفه عن هذا الدين الحنيف من قيم إنسانية سامية، فكانت فكرته بإنتاج فيلم روائي حول السيرة الرسولية الكريمة، ولكن عارضه صديقه السيناريست الكويتي محمد السنعوسي، وقال لابد أن يكون فيلماً وثائقياً عن الإسلام، فتوجها إلى بيروت واجتمعا برجل الأعمال الشهير عدنان خاشقجي ووعد بالتكفل بالفيلم وتم تأسيس شركة فيلمكو عام 1971، لتبدأ رحلة فيلم «الرسالة» من مبلغ ضئيل وقدره 350 ألف دولار فقط.
الفيلم قدّمه العقاد بنسختين: إحداهما للمنطقة العربية شارك فيها عدد من الممثلين العرب من بينهم: عبد اللـه غيث، منى واصف، أحمد مرعي ومحمد العربي. وأخرى بالإنكليزية بمشاركة: أنطوني كوين، إيرين باباس، مايكل أنسارا، روبرت براؤن، وروزالي كروتشلي.
وعن بعض الإشكالات التي واجهت المخرج نزيدكم.

أُول التحديات

هناك محرّمات في الدين، ولا يمكن حتى التفكير في تجاوزها، وفي موضوعنا، أصعب التحديات التي واجهت العقاد، التصوير المرئي للرسول الكريم، فهذا الأمر غير مقبول ومحرّم في الإسلام. ولكن تمكّن المخرج من تجاوزه بعبقرية، من خلال التلميح لوجود النبي محمد في الفيلم، حين تتكلم الشخصيات باتجاه الكاميرا مباشرة، وحتى من يحدّثه يردد كلماته، إذ لا يُسمع صوت الرسول الكريم ولا يُشاهد.

مطب الإنتاج

بتأسيس شركة فيلمكو عام 1971، كان بحوزة العقاد مبلغ 350 ألف دولار فقط. هذا الأمر أحبطه ولكن عالج موضوع الشح المالي صديقه السنعوسي، الذي تواصل مع وزير المالية والنفط الكويتي عبد الرحمن العتيقي، الذي نصحهم بالذهاب إلى البحرين لتأسيس شركة إنتاج، لأن القيود القانونية الضريبية سهلة التعاطي، وبالفعل تم تأسيس «الشركة العربية للإنتاج العالمي» مع إعفاء الشركة والفيلم من الضرائب 15 سنة.

بعدها تحمّست الكويت ودفعت 25 بالمئة من رأسمال الشركة، ومثلها البحرين وليبيا والربع الأخير كان قرضاً على ذمة الشركة.

إذاً تخطت التكلفة التي تحمّلها العقاد بصفته منتجاً للفيلم أيضاً كما ذكرنا أعلاه، مبلغ 17 مليون دولار، ذهب معظمها في الديكورات الطبيعية والملابس والإكسسوارات وأماكن التصوير، إضافة إلى كمّ هائل من المجاميع والمعارك واسعة النطاق.

وأخيراً انطلقت كاميرا العقاد للتصوير في المغرب العربي، لكنه تعرض لضغوط سياسية سعودية، أدت به إلى التخلي عن مواقع تصويره، فقام بنقل عمليات التصوير إلى ليبيا، بعد حصوله على دعم معنوي ومادي من الرئيس الليبي معمَّر القذافي.

الغاية السامية

غاية العقاد من هذا الفيلم هي نشر معتقدات الدين الإسلامي السامية، رغم إدراكه حجم الانتقادات التي سيتعرض لها، لهذا قام بتقديم السيناريو لعلماء الجامع الأزهر بمصر، وبالذهاب إلى أفضل كتّاب السيرة النبوية، وهو عبد الحميد جودة السحار في القاهرة، حيث طلب منه كتابة أفضل وأدق ما في السيرة، ثم عُرض النص على كبار الأدباء والمؤرخين والعلماء، حيث استغرق الأزهر وحده سنة كاملة في قراءة ومراجعة السيناريو، مع كل من السحار والشرقاوي وتوفيق الحكيم وأحمد الشلبي، ومراجعة النسخة الإنكليزية مع كاتب النص السيناريست الأميركي هاري كريد.

التحدي الكبير كان في مواجهة العقاد لمفتي السعودية العلامة عبد العزيز بن باز، الذي استطاع إقناع الملك فيصل بمعارضة الفيلم، وعندما زار العقاد الإمام بن باز، قالوا له «كيف تزور رجلاً يعتقد أن التصوير حرام أصلاً». فذهب العقاد إلى مقر رابطة العالم الإسلامي بمكة، إلا أنهم أصروا على حرمة التصوير، فالتفت إلى جواره ورأى صورة الملك فيصل على جريدة عكاظ، فسألهم عنها فالتزموا الصمت، ونختم هنا بأن رفض الفيلم لم يكن من العلماء السعوديين، بل-بحسب العقاد- من المقيمين في السعودية.

أما في لبنان فقال لهم رئيس المجلس الشيعي الأعلى موسى الصدر -من خلال قراءته للسيناريو- لماذا يظهر سيف علي «ذي الفقار» فقط.. اعرضوا علي شخصياً.. فأقنعه العقاد أن المسألة فوق طاقتهم.

بعد ثلاث سنوات من عرض الفيلم في كل الكرة الأرضية، ما عدا العالم الإسلامي، جاءت فتوى شيخ الأزهر عبد الحليم محمود بتحريم الفيلم، ورغم أنه عُرض في إيران، إلا أن مصر بقيت رافضة عرض الفيلم حتى وفاة العقاد.

وبقي أن نذكر لكم كيف تحولت تسمية الفيلم من «محمد رسول الله» إلى «الرسالة». القصة يرويها المخرج مصطفى العقاد، بأن المسلمين الآسيويين في لندن احتجوا بشدة على الفيلم، فطلب منهم الحضور إلى صالة في المجمع الإسلامي لمشاهدته، وعند انتهاء عرض الفيلم، انهالوا يصافحونه ويهنئونه بكل حب وود، وقالوا له نريد عمل دعاية للفيلم في كل مكان بما فيها البارات والحانات، ولكن لا نريد وضع اسم رسول اللـه في هذه الأماكن، وظلوا يتوددونه بتغيير الاسم، واقترحوا تسميته بـ«الرسالة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن