قضايا وآراء

تسييسٌ أميركيٌ للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية

| رزوق الغاوي

منذ تفكك الاتحاد السوفييتي قبل ثلاثين عاماً، ذهبت الحكومات الأوكرانية المتعاقبة باتجاه فك جميع ارتباطاتها مع شقيقتها السوفييتية «روسيا الاتحادية» بإيحاءٍ أميركي مرةً، وبترغيبٍ وترهيبٍ وتهديدٍ وضغطٍ أميركي غربي أطلسي مراراً وتكراراً، في استغلالٍ بشع لدولة ناشئة بحاجة لبناء مؤسساتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والثقافية والاجتماعية، حيث تمَثّلَ ذلك الاستغلال بوضع أجهزة الاستخبارات الأميركية والغربية أجندات وبرامج وسيناريوهات، الهدف منها وضع اليد الغربية على كامل الدولة الجديدة المتاخمة للدولة الروسية.
في هذا السياق ومنذ العام 1991 شرعت الدوائر الغربية بالعمل على تفكيكِ بنية الشعب الأوكراني الأرثوذكسي وكنيسته الأرثوذكسية، والبحثِ عن السبل الكفيلة بفك الارتباط الكنسي الأرثوذكسي المتجذر تاريخياً بين الكنيستين الأرثوذكسيتين الأوكرانية والروسية، الأمر الذي أدى إلى انقسامٍ حاد داخل الكنيسة الأوكرانية، تمثل بواحدة محلية تلقى الدعم من الحكومة التركية عبر بطريركية إسطنبول المسكونية الخاضعة قسراً للإرادة التركية، وأخرى مصرةّ على المحافظة على انتمائها للبطريركية الروسية.
هذا الانقسام أدى إلى خلق شرخٍ عميقٍ في صفوف الشعب الأوكراني، الذي يشكل الروس جزءاً مهماً منه، تجاوز الخلفية الدينية ليتخذ بعداً سياسياً أدى لنشوء صراع داخلي دموي بين المُكَوِّنَين الروسي والأوكراني لا يزال قائماً حتى الآن.
في حيثيات هذا الواقع المرير الذي يعيشه الداخل الأوكراني، يكمن مدى الأزمة العامة التي تحيط بأوكرانيا بفعل أميركي مشبوه الأهداف، والتي بدأت بطرح شعارات تنادي بديموقراطية مغلّفة بأهدافٍ لا تمت بصلة لمصالح الشعب الأوكراني الوطنية المشروعة من حيث كون جوهرها يقدم خدمة للسياسة العامة الأميركية وللمشروع الأميركي الغربي الصهيوني الرامي لمحاصرة جمهورية روسيا الاتحادية.
في موازاة الواقع الراهن في منطقة البحر الأسود وحالة التوتر السائدة فيه والتي توجتها مناورات «نسيم البحر 21» الأميركية الأطلسية الغربية الأخيرة، لاح في الأفق عزم البطريرك المسكوني برثلماوس على زيارة أوكرانيا بمباركةٍ أميركية وتشجيعٍ من حكومة أردوغان، للمشاركة في احتفال أوكرانيا بذكرى الاستقلال، ما يؤكد تورط البطريرك المسكون، بمعرفة أو من دون معرفة، في المشروع الأطلسي، وارتضاءَه أن يكون واحداً من أدوات السياسة التركية ومطايا المخططات الأميركية الرامية إلى ترسيخ حالة التوتر وعدم الاستقرار في منطقة البحر الأسود، والنيل من وحدة الشعب الأوكراني، مع الأخذ بالاعتبار رعاية بطريرك القسطنطينية برثلماوس لاجتماع سينودوس الكنيسة المسكونية الذي عقد في إسطنبول في تشرين الثاني من عام 2018 واعتمد توصيات لميثاق الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا بالانفصال عن البطريركية الروسية، ومن ثم اعتراف البطريرك المسكوني برثلماوس بانفصال الكنيسة الأوكرانية وتسليمه وثيقة هذا الاعتراف رسمياً في احتفالية أقيمت في إسطنبول في كانون الثاني من العام 2019، حضرها آنذاك الرئيس الأوكراني ورئيس البرلمان الأوكراني، في إطار عملية تسييس واضحة ومكشوفة الأهداف لشأنٍ كنسي ينبغي أن يكون بعيداً كل البعد عن الشأن السياسي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن