قضايا وآراء

بيغاسوس والنسخ الإسرائيلية منها

| تحسين الحلبي

إذا كان معظم الحكام العرب وبخاصة ممن يعدون أنفسهم أصدقاء للولايات المتحدة أو حلفاء قد اعتقدوا بأن انتشار مئات الشركات الخاصة الإسرائيلية للخدمات الأمنية وأغراض التجسس في المنطقة ومختلف دول العالم وبأسماء دولية أو أجنبية خاصة منذ التسعينيات، موضوع لا يقلقهم ويهدد أمن شعوبهم ودولهم بل أمنهم الشخصي، فهم واهمون جداً، لأن هذه الشركات وإن كانت خاصة ولا ترفع علم الكيان الإسرائيلي إلا أن معظم المؤسسين لها هم من رؤساء الحكومات مثل إيهود باراك الذي كان رئيساً للمخابرات العسكرية قبل رئاسته للحكومة وإيهود اولميرت وهما من الرؤساء المتقاعدين لجهاز الموساد، جهاز التجسس والمهام الخاصة الإسرائيلي، الذين تجمعت لديهم كافة خزائن المعلومات السرية التي جمعت في الثمانينيات والتسعينيات عن معظم الدول والحكام العرب مثل ناحوم أدموني 1982 حتى 1989 ثم شابطاي شابيط حتى عام 1996 وداني ياتوم وأفرايم هاليفي حتى آخر رئيس سابق تقاعد في حزيران الماضي هو يوسي كوهين ويوظف هؤلاء معهم جيشا من ضباط الأمن المتقاعدين من الجيش الإسرائيلي ومن أصحاب الاختصاص بوسائل التنصت وتسجيل المكالمات وتظهر أسماء المديرين علناً في مواقع شركاتهم التجسسية الخاصة بهدف زيادة الثقة بالتعامل والتعاقد معها ومن بينهم أهم مدير سابق لقسم متابعة ابتكارات التجسس على الانترنيت والموبايل ووسائل التواصل الاجتماعي الذي عمل في الموساد ثلاثين سنة قبل تقاعده وهو شمؤئيل بار مؤسس ومدير شركة نيوت فيو عام 2005 والتي تعاقدت مع عدد من الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة للتنصت وتسجيل كل ما يتحدث به الأفراد ويمس أمن الحكام المتعاقدين معه بل هو نفسه أعلن لمجلة «بلومبيرغ» الأميركية الصادرة في 2 شباط 2017 عن تعاقده مع إحدى الدول العربية قبل أربع سنوات لرصد وتسجيل مكالمات ونشاطات من يستهدفونها بل ما يتداوله المواطنون وبعض المسؤولين فيها على وسائل التواصل الاجتماعي من انتقاد لحكامهم، وقام بتصنيف مدى خطورة هذه المعطيات على هؤلاء الحكام مقابل مبالغ طائلة.
وأصبحت هذه الشركات التجسسية الإسرائيلية تتنافس فيما بينها وتعرض خدماتها على الأفراد والدول في وسائل الإعلام الإلكترونية لجذب المتعاقدين والمحافظة على سريتهم وسرية ما تجمعه من معلومات.
وعندما ظهرت هذه الإمكانات التكنولوجية الإلكترونية ومبادرات رؤساء الموساد والضباط لتأسيس الشركات التجسسية الخاصة أعدت وزارة الدفاع الإسرائيلية نظاماً داخلياً خاصاً تمنح بموجبه رخصة رسمية وتسجيلاً لهذه الشركات في وزارة الدفاع وتنظم عملية الحصول على ضرائب من أرباحها إضافة إلى الاستفادة المباشرة مما تجمعه من معلومات عن الدول المتعاقدة معها من أجل استخدامها لأهداف سياسية فتحقق لهؤلاء المؤسسين ومديريهم مئات الملايين من الدولارات بل أصبحت ثروة بعضهم مثل يوسي ميمان نائب سابق لرئيس الموساد وشموئيل بار وشابطاي شابيط وإيهود باراك لا تقل عن مليار دولار، ورأى المسؤولون في وزارة الدفاع الإسرائيلية والأميركية بطبيعة الحال أن هذه الشركات تقدم معلومات لهما لا تقل أهمية عما تقدمه وكالات المخابرات المركزية الرسمية الحكومية بل تزيد في قيمتها أحياناً لأن الشركة الخاصة الأمنية تقوم بجمع المعلومات في الدولة المتعاقدة معها حول المواطنين والمسؤولين والحكام أنفسهم، وهذا يعني أن ما تقدمه الشركات الإسرائيلية التجسسية من معلومات عن أعمالها للحكومة الإسرائيلية يتحول إلى قوة معلوماتية تستخدمها تل أبيب ضد هذه الدولة أو تلك بطريقة خاصة وتصبح قادرة على ابتزازها لتوظيف بعض سياساتها لمصلحة تل أبيب وربما ينسى المتعاقدون مع شركات كهذه أن جهاز الموساد الرسمي نفسه كان قد تجسس على أكبر وأهم حليف له وهو الولايات المتحدة حين وافق شمعون بيريس رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي في عام 1984 بصفته المسؤول الأعلى عن رئيس الموساد لرافي إيتان مدير محطة الموساد في واشنطن على تجنيد الضابط اليهودي الأميركي جوناثان بولارد المختص بالمعلوماتية في جهاز مخابرات البحرية الأميركي وبعد نقله معلومات سرية إلى الموساد جرت مراقبته من مكتب التحقيقات الفيدرالي وقبض عليه في عام 1985 من داخل السفارة الإسرائيلية في واشنطن التي حاول الاختباء فيها بعد اشتباهه بأنه قد كشف واعترف بعد عامين أنه تجسس وقدم المعلومات وعن كل ما قام به لمصلحة الموساد وقضى في السجن أكثر من ثلاثين عاماً.
وإذا كان البعض يتوهم بأن الخدمات التي تقدمها شركات الأمن الخاصة مثل بيغاسوس التي افتضحت نشاطاتها في أيامنا هذه قد يستفيد منها فالحقيقة أن الكيان الإسرائيلي يريد من خلال ذلك وضع الواهمين المتعاقدين معه في مصيدته لابتزازهم وتوظيفهم في مصلحته على حساب شعوبهم فهم الهدف الأكثر أهمية بالنسبة له.
ولذلك تعد تل أبيب هذه الشبكة العنكبوتية للشركات التجسسية الخاصة الإسرائيلية أداة مناسبة وفعالة بنظرها لفرض الهيمنة الصهيونية على المنطقة من الفرات إلى النيل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن