من دفتر الوطن

ليالي الصلح في سورية

عبد الفتاح العوض :

إذا كانت ليالي الأنس في فيينا فإن ليالي الصلح في دمشق.. ربما يكون مثل هذا الكلام مبكراً أضف إلى ذلك يبدو شاعرياً، وهو كذلك في بعض جوانبه.
لو كانت هذه الدول المجتمعة في فيينا جادة وحريصة على إنهاء هذه الأزمة فحتماً كان من الممكن التوصل إلى حل مبكر ومنذ فترة طويلة.
لكنها في كل الشأن السوري هي تؤثر فيه سلباً لأن الخطوط الحمراء تم اختراقها مرات ومرات على مر السنوات الخمس!!
لماذا إذاً نقول ليالي الصلح في دمشق..
لأن أي ما اتفق عليه الآخرون ليس ذا قيمة إلا إذا كانت ترجمته بدمشق إرادة وقبولاً وتنفيذاً.
ما عدا ذلك سيكون الأمر مجرد بيانات يخرقها أولاً أكثرهم بلاغة بتلاوتها.
عندما يتحدث البيان عن مستقبل سورية بيد الشعب السوري».
فهذا يعني بشكل أو بآخر كل تفاصيل هذا المستقبل يقررها الشعب السوري.
هذه عبارة ليست للاستهلاك.. وهي غير قابلة أصلاً لتكون في دائرة الاستهلاك العالمي، هذه عبارة تستحق التنفيذ بأمانة.
لا يجوز أن تقول الشعب السوري هو الذي يقرر ثم تملي عليه ما يجب أن يقرر.. يصبح الأمر تناقضاً فجاً..
وليست المشكلة فقط في كونه تناقضاً فقد اعتدنا التناقضات في السياسة بل المسألة لها علاقة باستحالة غير ذلك. بمعنى من الصعوبة إلزام الشعب السوري بتحديد مستقبله من الآخرين.. مثلما هو الشيء الطبيعي أن يكون هو صاحب الكلمة الفصل في كل أمر يتعلق به وبدولته.
هنري كيسنجر يقول في كتابه النظام العالمي عن الأزمة السورية «اللاعبون الرئيسيون يرون أن الحرب ليست من أجل الديمقراطية بل من أجل الغلبة، لم يكونوا ليبالوا بالديمقراطية إلا إذا صبت في مصلحة جماعتهم».
هذا مجرد شاهد من أهله.

مظاهر متناقضة!!
في المجتمع السوري الآن حالات تبدو شديدة التناقض من اللافت أن تكون صالات الأفراح ممتلئة ونسب الزواج مرتفعة وأيضاً الولادات ما زالت في معدلات عالية.
وبالوقت ذاته هناك نسب طلاق مرتفعة وخلافات تصل إلى المحاكم بكثرة.. مثلما هي صالات العزاء ممتلئة أيضاً… في بلدنا مراكز الإيواء ملأى، وكذلك المطاعم وأماكن الترفيه.
لا أريد أن أقدم لائحة بالمتناقضات وأكتفي هنا بهذه الأمثلة التي ذكرت فقط كنوع من الإشارة إلى حجم هذه التناقضات ومساسها بالمجتمع من الداخل. لكن إذا نظرنا إلى هذا الموضوع من زاوية ثانية فإن مثل هذه التناقضات تدل على مرونة المجتمع السوري وقدرته على التواؤم مع الظروف الصعبة.
عندما يكون المجتمع قادراً على التواؤم فإنه وبعد الخروج من هذه الأزمة سيكون أكثر قدرة على التفاعل مع الحالة الجديدة.
بمعنى المجتمع الذي يستطيع أن يكون طبيعياً في حالات استثنائية سيكون مبدعاً في الحالة الطبيعية.
ولدي ما يكفي من التفاؤل بالسوريين لأتوقع سورية ما بعد الأزمة بالصورة المشعة واللائقة.

أقوال
– سقوط الجواهر على الأرض لا يفقدها قيمتها. حكمة شعوب
– وليس عتاب الناس للمرء نافعاً إن لم يكن للمرء لب يعاتبه. ابن الوردي
– من عتب على الدهر طالت معتبته. أكثم بن صيفي

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن