ثقافة وفن

«حرائق خضراء» لجينة نبهان بوح امرأة شرقية

| الوطن

ساق لي صديق عزيز ديواناً شعرياً لشاعرة سمعت بها، ولم أقرأ لها من قبل سوى مقطَّعات، وديوانها الجديد، وهو الرابع يحمل عنواناً لافتاً هو (حرائق خضراء) وصادر عن دار سويد للطباعة والنشر، وعنوانه يومي باحتراق، ولكن أي نوع من الاحتراق؟ هل الوقوع في أتون الحرب التي لم تبق للإنسان فسحة من أمل؟

وعند قراءة الديوان، وهو من الشعر الحديث الوجداني وجدت أن الموضوع مختلف عما تهيأ لي.

بوح الزمن المتتابع

قلما نجد لشاعرة أو أديبة سيدة سيرة ذاتية أو تعريفاً يحمل مولدها وتاريخه، والشاعرة لجينة نبهان تضع ذلك في خاتمة الديوان غير آبهة بالزمن، ومن الرقم الأول لمقطعها حتى الرقم 77 للمقطعة الأخيرة تسرد الشاعرة ببوح صادق هواجس امرأة تعشق الحياة بنفسها لنفسها، وكأنها تسرد سيرتها الذاتية في هذا البوح، ومن المقطع الأول نجد هذا الصدق الواضح الذي جعلني أقف عند المضامين.

يهبط بي مصعد العمر
إلى العقد الخامس!
العقد الخامس
يا له من رقم مهول!
ويصبح أكثر هولاً
حين أكتبه الآن

بين الرفض والقبول، بين التصديق والتكذيب، تواجه الشاعرة المرأة الحقيقة من خلال المرآة والملامح، فالحقيقة هي التي ظهرت، والتسكع الطويل للحقيقة جعلها تدرك ندوبها وآثارها في الوجه والجسد دون أن تسمح بتجاوز، وفجأة دون إنذار.. وهذا البوح الذي صدر عن الشاعرة يجعلنا أمام صورة حقيقية تحترمها هي في قبول واقع جديد من خلال المرآة والملامح، لا تحاول العصيان عليه، ولا تعلن رفضها له بأي صورة كان، إنه قطار الزمن بعد أن تركها والدها وهو يحذرها من عبور الطريق وحدها، لكن السيارات كانت تمشي ولا تتوقف، وهي التي توقفت لتجد نفسها أمام الحقيقة التي جاءت سردية حكائية غير مزخرفة بصورة ما.

اقتناص الفرصة

وقفت الشاعرة عند الزمن الذي يتجاوزها منذ تحذير والدها لها من عبور الطريق، وهي بقيت على خوفها، لكن السيارات لم تتوقف عن الحركة والعبور، وجدت العقد الخامس أمامها، اعترفت به، لم تكسر المرآة، لم تتهم الزمن، لكن حب الحياة والفلسفة عندها جعلها تحاول قلب المعادلة لصالح لحظة جديدة، هذه اللحظة تصفها بنفسها، بعقلها، بوعيها، ربما بلا وعيها، وهذا ما يحصل لدى كل منا عندما يتجاوزه الزمن، محطة بعد محطة، وحين يتسلل من بين أصابعه يحاول أن يمسك به بما تبقى لديه، وهل يجدي هذا التمسك في زمن جديد متغير؟

يا أيها العقل انسني
في مرايا الغافلين عن المدارات
وسافر في تلافيف انتمائك وحدك
لي خطوة أو خطوتان
على طريق جنوني المخبوء
في اللاوعي

لجوء إلى الذات، وهروب من العقل والوعي واللاوعي، وبحث عن خبايا امرأة تتوق لأن تحيا بجوهر روحها، وهي تناشد ما تبقى، أو تتحدث للبقايا، غمرة أو غمرتان، ضمة، ولعلّ تعبير اللحن الذي يراقص المهرة هو الذي يفصح عن مهرة تجد أنها أمضت فترتها ولم تجد لحناً ترقص عليه، ولم تجد فارساً يراقصها، ولكن بشرط الحب المبتدع، وربما كان هذا ما دفع الشاعرة في مقطع آخر من تسلسل روح آمنت بوجودها بعقد جديد، تضع قوانينها الخاصة بالعشق، ولا تقول هي الشروط، وإنما هي القواعد التي تلائم نضج الفكر، وظهور اكتناز الأنوثة التي تراها ضرورة.
هي قواعد، قواعد نضج المرأة والروح والأنوثة والعقل لكل ما تحتويه من رغائب، تظهر الروح والجسد في الوقت نفسه، ولأن المرأة أدركتها الحرائق الخضراء التي تريد أن تزهر بفوح عبيرها تخاطب الحب أو المحبوب أو الذات:

الغيم الذي كنت قد حشوته
في وسادتي

وتمضي الشاعرة في يقينها لا ترجو سواه، وربما غفرت لوالدها الذي حذرها من عبور الطريق ولم يدفعها لركوب إحدى العربات التي تحبها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن