اقتصاد

هل يمكن للمديرين اعـتماد كتابات «ميكيافيلي»؟!

| د. سعـد بساطة

استشهد أحدهم في جلسة ينصح بها قريبه الذي أضحى مديراً لمؤسسة مرموقة؛ بمثل لجدته «أخف : ذهبك ومذهبك وذهابك» لكتمان ثروته وسفره ومبادئه… فعـلـّق آخر ((هذا وارد في كتاب «الأمير»/ميكيافيلي)) مؤسس التنظير الواقعي، والذي أصبحت محتويات كتابه عصب دراسات العلم السياسي. وهي بمنزلة نصائح لـصناع القرار، وأيد فيه فكرة «أن: ما هو مفيد فهو ضروري»، والتي كانت عبارة عن صورة مبكرة للنفعية والواقعية السياسية.
هنالك من يدعـو المديرين لقراءة كتاب ميكيافيلي بتمعـّن؛ والعـمل بنصائحه؛ التي تبقى سارية المفعـول مهما مر الزمن. وأنا بدوري أؤيد هذا؛ فهو مكتوب لكل من قيـّض له أن يدير نشاطاً ما (حانوت متواضع؛ شركة ضخمة؛ أو بلد بأكمله)!
ولد نيكولو ميكيافيلي في فلورنسا لمحامٍ من أسرة عريقة؛ وشب في عهد أمير ميديتشي مظهراً ذكاءً حاداً. كان يسعى لفصل الدين عن السلطة. ويذهب المفكرون بأن لـه دوراً مهماً بتطوير الفكر الإداري.
كان يستيقظ مبكراً ويخرج إلى الغابة يتحدث للحطابين ويتبادل معهم الأقاويل ثم يتسلق التلال وحيداً، وهناك يقرأ «لدانتي أو شيراك أو تبيولوس أو أفيد». وبعد الغداء يمضي إلى الحانة فيتحدث مع الطحان والقصاب وبعض البنّائين، ويقضي معهم فترة الظهيرة بلعب النرد؛ وعند المساء يغير ثيابه الريفية ويرتدي ملابس التشريفات لكي يكون بصحبة الصفوة. وخلال ذلك الوقت يدون ملاحظات في كتاب صغير سماه «الأمير»؛ الذي نشر بعد وفاته بخمس سنين. لم يفهمه البعض وهاجموه حتى أصبح اسمه ملازماً للشر؛ إذ ذكره شكسبير بروايته «زوجات وندسور المرحات» عندما أطلق على لسان إحدى شخصياته قوله: «أأنا مخادع؟، أأنا ميكيافيلي؟!» بقصد الذم.
لم يحلم ميكيافيلي بأن الرسالة القصيرة عن فن الحكم التي كتبها في عام 1513م إلى الأمير لورنزو سيكون لها حياة طويلة. ومن مقولاته: «الغاية تبرر الوسيلة»… واحدة من أشهر الجمل التي كثيراً ما يتم تداولها والتي تعطي انطباعاً بالانتهازية والأنانية، بل هناك أجيال لا تعرف عن ميكيافيلي سوى هذه الجملة!
«الطريقة الأهم لتقييم الحاكم، هي النظر إلى الرجال المحيطين به».
أيهما أفضل: أن تكون مهاباً أم محبوباً ولكن من الصعب تحقيق الاثنين، والأضمن أن تكون مهاباً على أن تكون محبوباً، إذا لم تستطع أن تكون كليهما.
دعـا لالتماس المشورة عند الضرورة؛ والاستطاعـة أن يكون «متواضعاً وكتوماً» والقدرة على أن يكون ( مكر الثعلب – والمقدرة على استخدام قوة الحيوانات وعقل البشر).
ظل كتاب الأمير دائماً ضمن قائمة الكتب المحرمة، ويعـود ذلك أساساً لإلغائه أيـة صلة بين الأخلاق والسياسة: فبالنسبة له يجب على الأمير أن يحاول الظهور بمظهر الحليم والمتدين والنزيه والأخلاقي. ولكن في الواقع، فإن واجبات الأمير لا تسمح له بامتلاك أي من هذه الفضائل.
يقول عن الناس بصورة عامة: «إنهم ناكرون للجميل، متقلبون، مراؤون ميالون إلى تجنب الأخطار وشديدو الطمع. وهم إلى جانبك ما دمت تفيدهم، فيبذلون لك دماءهم وحياتهم وأطفالهم وكل ما يملكون كما سبق لي أن قلت، ما دامت الحاجة بعيدة نائية، ولكنها عندما تدنو يثورون، ومصير الأمير الذي يركن إلى وعودهم من دون اتخاذ أي استعـداد هو الدمار والخراب».
المزايا يجب إعطاؤها للرعايا جرعة جرعة حتى يستمتعوا بها ويشعروا بفائدتها.
كان «موسوليني» لا ينام حتى يقرأ كتاب الأمير لـ«ميكيافيلي»، واحتفظ هتلر بنسخة من الأمير في سريره ليقرأ منه كل ليلة قبل أن ينام، ومن المعروف أن ستالين قد أعـجب بالكتاب أيضاً. ووصفه موسوليني بأنه «المرشد الأعلى للدولة»؛ كما تم العثور على نسخة منه لدى نابليون في ووترلو!
وأخيراً يقول: «يجب على القادة ألا يعتمدوا على الحظ، بل يجب أن يشكلوا ثروتهم الخاصة من خلال الكاريزما والذكاء والقوة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن