ثقافة وفن

صداقة لا تنتهي بين المرأة والتسوق … الرجال يدمنون اقتناء الإلكترونيات وتهتم النساء بالمجوهرات والأحذية ومستحضرات التجميل والعطور

وائل العدس :

معظم النساء يجدن متعة كبيرة في التسوق وقضاء ساعات في التجول بين أروقة المحال باختلاف أنواع البضائع والسلع، الأمر الذي جعل التسوق مرتبطاً بحواء وبات حالة لها أسبابها ودوافعها وعلاجها.
ويمكن القول إن هوس التسوق بات حالة من الإدمان تصيب المرأة وتفقدها السيطرة على إرادتها وتبدأ الحالة بشراء القليل من البضائع التي تشعرها بشيء من الراحة ثم تتطور الحالة وتأخذ في زيادة مشترياتها لتشعر براحة أكبر، وفي البداية تكون سعيدة ولكن بعد ذلك قد تشعر بالضيق والكآبة بسبب عشوائية الشراء والتبذير لأغراض ليست أساسية لاحتياجاتها.
وهذا لا يعني أن كل امرأة تحب التسوق أنها تعاني «هوس التسوق»، ولكن إن كانت هذه الرغبة لا تنطلق من حاجة ملحة فهي تحتاج لاستيعاب ما تعانيه ومعرفة الأسباب هل كانت نفسية أو مجرد صفة شخصية؟
لكن هل تشتري المرأة فعلاً كل ما تحتاج إليه، أم ما يعجبها، وتتغاضى عما كان ملائماً لاحتياجات الأسرة أو غير ملائم؟! وهل يجب أن تتسوق في وجود قائمة مسبقة، أو إن هذا سيشكل عائقاً أمام إمكانية التجديد والتعرف على أفضل المنتجات لتحقيق أقصى استفادة منها؟.

إدمان التسوق
يمكن تعريف هوس التسوق بأنه الشراء المنفلت المتكرر والمزمن الذي يصبح عادة، ورد فعل أساسياً للأحداث أو المشاعر السلبية، ويشمل نمط إنفاق لا يستطيع صاحبه السيطرة عليه، لمجرد الشراء فقط دون الحاجة لما يشتري وغالباً يخزنها من دون أن تستعمل. وكثير من هؤلاء يتسوقون منفردين، ويضطرون إلى إخفاء ما يشترونه عن المقربين منهم.
إن الشعور بالحاجة إلى التسوق ليس بالأمر الملزم، بقدر ما هو خلل في السيطرة على النزوات التي تعد ممتعة بالنسبة إلى أصحابها. وعند المرأة إدمان التسوق أكثر منه عند الرجل بنسبة 75% وقد تصل إلى 85% باعتبار أن المرأة عاطفية أكثر والعاطفة تتحكم بسلوكها، وإن أي ردة فعل تؤثر فيها بدرجة أكبر مما تؤثر في الرجل وبالتالي تنعكس معاناتها بالشراء.
وتشير الدراسات إلى أن إدمان الرجال على التسوق يتضح في اقتناء التحف النادرة والإلكترونيات والملابس، أما النساء فينصب اهتمامهن على شراء المجوهرات والأحذية ومستحضرات التجميل والعطور إضافة إلى الملابس.

دراسات وأبحاث
تشير الأبحاث إلى أن المصطلح العلمي لإدمان للتسوق، قد أقر لأول مرة قبل قرن من الزمان على يد عالم النفس إميل كريبلين، الذي كتب رسالة علمية عن الناس في المدن الكبرى الذين لا يستطيعون مقاومة رغباتهم الملحة في شراء أشياء جميلة تجعلهم يشعرون بالسعادة، ولو لم يكونوا بحاجة إليها وحتى لو تركوا ما اشتروه في المنزل من دون أن يفتحوه ولم يستخدموه على الإطلاق.
وتبين الدراسات أن التسوق يدخل في الإطار النفسي أي بحسب نفسية المرأة، وفي الوقت الذي يسبب فيه التسوق ارتفاع ضغط الدم عند الرجال، تؤكد الأبحاث العلمية البريطانية أن تسوق المرأة وتجولها في الأسواق يفيد صحتها ويحسن حالتها النفسية.
ونشرت صحيفة (نيويورك ديلي نيوز) الأميركية إحصائية قالت فيها إن المرأة تقضي 3 سنوات من عمرها وهي تتسوق، ونشرت مجلة (ايبوكا) البرازيلية أن الوقت الذي تقضيه المرأة في التسوق يصل إلى 4 سنوات إذا عاشت حتى السبعين من العمر.. وغيرها من الدراسات التي تثبت أن هناك صداقة لا تنتهي بين المرأة والتسوق وتتوارث من جيل إلى جيل.
وفي دراسات ميدانية عديدة أجريت في أوروبا أظهرت نتائجها أن شخصاً واحداً من أصل 20 يدمن التسوق وأن 9 أشخاص من أصل 10 يدمنون التسوق هن من النساء، وأنه في العصر الراهن زادت نسبة إدمان التسوق بسبب الإغراءات التي توفرها السلع والتنافس الإعلاني والخصومات التي تصل إلى 50%، إضافة إلى نظام الشراء حين يصبح بالتقسيط.
وكشفت دراسة نفسية حديثة أجراها معهد الدراسات الطبية في العاصمة التشيكية براغ أن المخ مسؤول عن ظاهرة هوس التسوق أو ما يعرف بحمى الشراء التي تصيب البعض، وخاصة النساء.
وأظهرت الدراسة أن حمى الشراء تكثر لدى النساء عبر تفاعلات في ثلاثة مراكز بالدماغ ينتج عنها قرار بالشراء. فالخطوة الأولى عندما يقع البصر على السلعة المثيرة للاهتمام والمراد شراؤها فيبدأ المركز الذي يحدد ذلك بإفراز مادة كيميائية تسمى (دوبامين) هي المسؤولة عن لفت الانتباه، ثم يقوم مركز آخر يسمى (إينسولا) بمعرفة السعر وقيمته المرتفعة التي لا تتناسب مع الإمكانات المالية لتبدأ معركة صامتة في الدماغ بين القلق والرغبة في الشراء. وعندها يتدخل مركز ثالث في المخ ليقدم الحلول الوسطى عبر طرح معادلة متوازنة ومناسبة بين المركزين الأول والثاني وتتم بعدها عملية الشراء.
ويوضح الطبيب النفسي يرغي تيل المعروف في براغ، أن هذا الاكتشاف سيساعد في عمليات العلاج في هذا المجال وخاصة لدى شريحة كبيرة من النساء ممن يعانين من مشاكل في تبذير وهوس تسوق. ويقول إن الطب النفسي يُعرف الحمى الشرائية على أنها حالة هوس نفسي تفقد صاحبها السيطرة والتحكم بالإرادة، حيث يشعر صاحبها بالسعادة في البداية فقط والندم والكآبة والضيق في النهاية.
وهي بمعنى آخر حالة سعادة اصطناعية سريعة للهروب من الواقع الذي ترافقه بعض المشاكل عبر متعة الشراء لرفع الروح المعنوية بشكل مؤقت، وإن أسباباً عدة وراء الإصابة بالحالة مثل الفراغ والغيرة والقلق والكآبة والمشاكل المعقدة اجتماعياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن