قراءات مسرحيّة… وجوه وحكايا .. بداية نشطة لقسم الدراسات المسرحيّة
عامر فؤاد عامر :
عَرَضَ قسم الدراسات المسرحيّة قراءات (وجوه وحكايا) ضمن التظاهرة المسرحيّة « أول الحكاية» على مسرح «فواز الساجر» في المعهد العالي للفنون المسرحيّة، كبدايةٍ للانطلاق بنشاطٍ نحو موسمٍ دراسيٍّ جديد، والنص والإخراج للدكتورة «ميسون علي»، والأداء جاء لكلّ من: المهدي شباط، ومجدي المقبل، ومنار نقشبندي، وليلاس العربيد، وجيهان مملوك، وزين صالح. وهو عرض أدائي بمشاركة الإضاءة والموسيقا.
لوحة الحكايات والوجوه السوريّة
العرض «وجوه وحكايا» كان عبارة عن لوحات سرديّة، يتخللها مقاطع شعريّة من أشعار «بول فاليري» و«محمود درويش» وبمشاركة نصّ سردي قصير للكاتب «خليل صويلح». وجاءت هذه القراءة جماعيّة بصورة نصوص تناولها المشاركون عبر قصّة ذات مغزى شمولي، يحمل إسقاطات مباشرة على واقعنا كأشخاص ننتمي إلى هذا الوطن، وانعكاسات الواقع علينا، والتأثير في الحياة الشخصيّة، والحياة الجماعيّة، واشتراك الجميع في تفاصيل متشابهة بسبب واقع الأزمة والحرب التي خضناها مرغمين، فقد تمّ استخدام كلمات ذات إيقاع متشابه مثل: «الموتى»، و«الخوف من الموت»، و«رصاصة»، و«قذيفة»، و«سلاح» إلى آخر هذه الكلمات المتشابهة. ولإيقاع السرد عدّة مستويات فبين مستوى القراءة الفرديّة الذي يحتاج لإصغاء، وهدوء، وتفهم من المتلقي، كان هناك لعب على توزيع أفراد العرض على المسرح، وبين الجمهور، وفي أماكن متعددة، بين قريب وبعيد، ومستوى منخفض ومرتفع، ولذلك دلالاته التي انسجمت أيضاً مع شكل النصوص، والهدف منها، في حين جاءت بعض العبارات ولاسيما في نهاية العرض، مشتركة ومجتمعة بصوتٍ واحد، كجملة «السرد الجنائزي أو «رأس مطلق وتاج كامل» وغيرها من التراكيب ذات المغزى التي علت بأصواتهم أكثر من مرّة، وهي غيّرت من إيقاع القراءة الهادئ لتلفت انتباه المتلقي أكثر، استعداداً لختام المشاهد، وتحدياً لواقع الحال، وكأننا على مشارف نهاية وبداية متجددة. وعلى الرغم من الجهد الواضح الذي بذله الطلاب بالمجمل في تقديم العرض كان هناك نقص بسيط في اللوحة جاء على شاكلة الأخطاء في القراءة ونقصد الأخطاء اللغويّة فالقراءات منهم احتاجت لمزيد من الاهتمام في ناحية اللغة والقواعد الإعرابيّة وحبذا لو يكون هناك اكتمال في المشهد من حيث عدم الإخفاق في القراءة السليمة ولاسيما أنهم يتعاملون مع الكلمة بصورة مباشرة وحسّاسة.
اشتراك العناصر ولغة التعاون
لعبت الإضاءة دورها البارز في العرض ففي لحظات الحزن والكلام الذي يعبر عن مرارة أو لحظة تأمل فرديّة كان للعتمة والإضاءة المسلطة على قارئ النصّ دورها الجميل في لفت الانتباه والتركيز أكثر على لغة القصد من الكلام وما وراءه، وكذلك في لحظة القراءة الجماعية وانتشار الإضاءة في عدّة أماكن من المسرح، وهذه الإضاءة كانت لـ«أوس رستم» من قسم التقنيات المسرحيّة في المعهد العالي للفنون المسرحيّة، ونفذه طلاب قسم التقنيات المسرحيّة في السنة الثانية وهم: «فراس العربيد» و«منتجب عيسى»، و«كنان يوسف»، و«رامي الظللي»، و«القاسم أحمد»، و«أسعد سنديان»، و«عمر العواني»، و«طاهر سلوم»، أمّا الموسيقا فكانت لـ«راما البرشة» التي اختارتها بما يتناغم مع هدوء القراءة وانفعال الكلمات وقد جاءت بانسجام وتكامل مع لوحة العرض بالمجمل، وفي عرض «وجوه وحكايا» ميزات أخرى أضافت الطابع التكاملي للقراءات المسرحيّة تلك وهي اللوحة الخلفيّة التي جاءت من تصميم «يزن قرموشة»، وفيها دلالة على واقع الحال الذي يشبه كلّ إنسان سوري يعيش في ظروف الأزمة والأبنية التي تعبت من الصبر وأصابها الضجر في انتظار الفرج ونهاية الحكاية.
بين المنهاج وفاعليّة قسم النقد
التقينا الدكتورة «ميسون علي» وكيلة المعهد العالي للفنون المسرحيّة (2014- آب2015 ) ورئيسة قسم الدراسات المسرحيّة الحاصلة على شهادة الدكتوراه في المسرح الفرنسي المُعاصر من جامعة القديس يوسف Université Saint-Joseph De Beyrouth أستاذة المسرح الحديث والمعاصر، ومن موقعها، وما الذي يقدّمه هذا القسم للدارسين من حيث تطوير ملكاتهم؟ وهل المنهاج الذي يُدرّس كافٍ لهم؟ وكيف يمكن تطويره: «القسم بمناهجه وأكاديمييه يُقدّم للطلاب معرفة علميّة رصينة بالمسرح وتطوّره عبر خمسة آلاف سنة، عدا المواد الرديفة غير الاختصاصيّة، وهذا كلّه يُساهم في تمكين وتطوير الوعي المعرفي للطلاب خلال دراستهم، وتندرج مقررات القسم ضمن محاور أساسية يتم التطرّق إليها عبر السنوات الأربع بشكل تدريجي يُراعي التطوّر التاريخي، مع التأكيد على الربط بين المقررات – محور تاريخي /جغرافي: وفيه يتمّ الإلمام بالمراحل الأساسية والمفاصل الرئيسة في تاريخ المسرح كنص وعرض في الغرب والشرق الأقصى والعالم العربي، والإلمام بالمراحل الأساسية في تاريخ الفكر، والفنّ، والأدب، وكلّ أشكال التعبير العفويّة والشفويّة منذ الحضارات القديمة وحتى العصر الحديث، مع التركيز على الظواهر الطقسيّة والاحتفالات والأعياد، وكلّ ما يُعتبر ظواهر شبه مسرحيّة.
– محور النقد وعلم الجمال ونُظم الفنون: الإلمام بالمدارس النقدية الغربية والعربية، وأهم التيارات الجمالية في علاقتها بتطوّر المسرح ومكوّناته مع التركيز على معنى المصطلحات والمفاهيم النقدية، وكذلك علاقة المسرح بالفنون الدرامية الأخرى مثل السينما والتلفزيون والإذاعة، والفنون التشكيلية والموسيقا والرقص.
-محور تحليلي: قراءة النص وقراءة العرض وتحليل المكوّنات الدرامية والمشهدية
المسرح وعلاقته بالعلوم الإنسانية علم الاجتماع – الأنتروبولوجيا – علم النفس.
– محور الكتابة المسرحية والكتابة النقدية: أي الإلمام بالمبادىء الأساسية لكتابة نص مسرحي وإعداد عرض وكتابة مقالات نقدية وكتابة أبحاث نظرية وتوثيقية، مع التركيز على أصول منهجية البحث.
في منهاج النقد وتطويره
وتضيف رئيسة قسم النقد المسرحي أيضاً عن الدراسة النظريّة والعمليّة في قسم الدراسات: «تُقسم الدراسة إلى جزأين نظري (يُستتبع بامتحان) وعملي يُقدّم الطلاب فيه حلقات بحث في كلّ المواد. وقد تم ّالعمل في السنوات الأخيرة على تطوير الجانب العملي لتأهيل الخريج للعمل في مختلف الاختصاصات المسرحيّة العمليّة، كذلك تمّت إعادة دراسة وصياغة الخطّة الدرسيّة للانفتاح على الفنون الأخرى كالسينما والتلفزيون وإدارة المشاريع الثقافيّة مع الحفاظ على هويّة القسم الأساسية المسرحيّة، وهناك مشروع لافتتاح قسم الدراسات العليا في عدّة اختصاصات».
مقررات الدراما تورجيا
أمّا عن محاولة تطوير القسم وتجديد المنهاج بصورة دوريّة فتضيف الدكتورة «ميسون علي»: «هناك تطوير دائم في القسم، إذ تمّ تعديل المناهج منذ سنوات، على يدّ اختصاصيين أكاديميين، ما يُشكّل الآن تداخلاً عضويّاً بين كلّ المواد بحيث تتوجّه جميعها نحو الحرفة المسرحيّة، كما تمّت إضافة مقررات «الدراماتورجيا» التي تدخل في صلب العمليّة الإخراجيّة من تحليل، وقراءة معيّنة للنص، والانتقال من النص إلى العرض، وإعداد النص وتوليفه، وترجمة النص، أو نقله من اللغة الأدبيّة إلى اللغة المحليّة، أو كتابة النص انطلاقاً من تدريبات الممثلين الارتجاليّة. والسيناريو التلفزيوني والسينمائي إلى جانب الكتابة المسرحيّة. من هنا فإن خريجي القسم مؤهلون للعمل في اختصاصات مختلفة في الكتابة المسرحيّة والتلفزيونية، ومنهم من يعمل كدراماتورج أو مساعد مخرج- كما يعملون في الإعلام المرئي والمكتوب.. وأقول من دون مبالغة إن مساهمة خريجي القسم في المشهد المسرحي والثقافي السوري على درجة كبيرة من الأهمية عبر اختصاصات ثلاثة الدراماتورجيا – النقد المسرحي – الكتابة المسرحيّة، وأؤكد أن قسم الدراسات خرّج النخبة منذ تأسيسه وحتى الآن».