ثقافة وفن

«بنكنوت».. لمحمد أنس فيومي قصص شيقة وواقعية عن الحياة المصرفية

| سارة سلامة

بعد خبرة ٣٥ عاماً وباختصاص بعيد عن الكتابة والرواية والقصص، يغوص محمد أنس الفيومي في عوالمه المصرفية، ويوقع كتابه الأول بعنوان «بنكنوت»، يسرد فيه تفاصيل مواقف جرت معه بأسلوب حكائي شائق جذاب ورشيق، يحمل محتوى اجتماعياً واقتصادياً ومالياً، حيث علقت في ذاكرته وجوه الناس وقصصهم وروايات الأصدقاء والمواقف كل ذلك كان يدعو فعلاً للإبداع، في خلاصة مهمة نستعرض بعضاً مما جاء فيها.

لمحة عامة

«روح يا ابني انشالله بتلعب بالمصاري لعب».

تلك الدعوة لم تلق نصيباً في حياتي لا كما يقول المثل «شم ولا تذوق»، فقد انخرطت بالعمل المصرفي وكان أول عهدي به أمين صندوق، ومن ثم انتقلت من موقع إلى آخر حتى أصبحت عاشقاً لهذا المجال.
لِمَ لا والعمل المصرفي بطبيعته يجمع بين العمل المالي والاقتصادي والقانوني والاجتماعي وحتى السياسي، ولاسيما أنه خضع لتطورات كثيرة منذ أول بنك باشر عمله في إيطاليا.
وحين أثارتني عبارة «أدب المهنة»، والتي سبقنا إليها عدد من المهن كالأطباء والمحامين، قلت من باب أولى أن يكون للمصرفيين حصتهم، وخاصة أن لديهم الكثير من القصص الواقعية، بكل مفاصل العمل من حسابات وقروض وكفالات.
هذا مولدي الأول، أتمنى أن ينال إعجابكم.

عن تفاصيل الكتاب

مجموعة قصصية واقعية ذات بعد اجتماعي اقتصادي مالي، حصيلة خبرة في العمل المصرفي تتجاوز «35» عاماً، صادفت فيها مجموعة من الأشخاص، وعايشت خلالها عدداً من الأحداث، تعكس وضعاً اجتماعياً صعباً، وأفكاراً بعضها افتعل العقم، وبعضها بعد مخاض طويل أنجبت فئراناً.

لقد تناول العديد من الأقلام تأثيرات الأحداث التي جرت في وطننا من منظور سياسي واجتماعي واقتصادي، لكن القليل منها تناول البعد المالي والمصرفي وإن حدث ذلك، فقد تم تناوله بشكل خجول، رغم التأثير الكبير لهذا البعد على حياتنا العامة، على اعتبار أن العمل المصرفي هو من أكثر الأعمال التي تجمع بين عدد من النواحي العامة القانونية والاقتصادية والمالية والاجتماعية.

العمل المصرفي قريب من الناس قرب اليد لجيب السروال وبعيد جداً عندما تكون هذه الجيب فارغة.

من هذا المنطلق أحببت أن تكون مساهمتي عبر هذه المجموعة لتوثيق أحداث حصلت بالواقع وكان لها الأثر الكبير في حياة ومستقبل أشخاص وشركات وعائلات، لذلك تبدو بعض الأحداث التي جرت في وطننا من منظور سياسي واجتماعي واقتصادي، لذلك تبدو بعض الأحداث ليست ذات طابع قصصي، سأطلق عليها مجازاً محاولة رصد حالات تسهم في تشكيل قناعة عند القارئ الكريم، ليحذر أو يفكر أو يعالج أو أي خيار آخر يضعه في مساحة تفكيره، ولاسيما حول أسلوب تعامل المصارف بشكل عام.

هذا النوع من القصص ليس له نهايات، لأنها تشكل حلم مواطن بوطن، وحلم وطن أن يحفّه أبناؤه من كل جانب، وهذان الحلمان بلا نهاية، وهكذا هي القصص الواردة بالمجموعة.

حريصة وواعية

في مواجهة حقيقية يستعرض في هذا الجزء قصة سيدة حريصة، تتقاذفها الأفكار والهواجس بخصوص مصير حسابها أمام تراوح سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، بشخصيتها المقيتة ووهمها، هي لاشك واحدة من الكثيرين الذين أنهشهم الطمع وأتعبهم التفكير حيث يقول.. «الذي يكتفي بالقليل من القناعة لا يعنيه الكثير عن طمع، والذي يطمع بالكثير، يخاف من القلة عن حرص، والذي يبالغ بالحرص يصبح وكيلا على مال ليس له.

لا أدري ما حدث في السوق البارحة، وكيف تراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار بشكل حاد ومفاجئ هل ما جرى لعبة من تجار وحيتان السوق أم قوى خارجية، الأمر يحتاج إلى وقت للتحليل، لمعرفة ما جرى وأبعاد هذا الحدث المفاجئ، وتأثيره في الأسواق وعلى الوضع العام، بكل الأحوال نحن نعيش في وضع قلق بشكل عام، وهذا ينعكس بشكل كبير على الوضع الاقتصادي، والوضع المالي للجميع أفراداً وجماعات».

سرقة مال الدولة حلال!

هذه واحدة من الأمور الشائكة ومع أي غلط مصرفي حسابي وخاصة أنها أمور ممكن أن تحدث وهي من طبيعة العمل المصرفي الصعب، هناك من يحتسب أي شيء من الدولة تقع عليه أيديهم حلالاً وسرقة مشروعة لا تخضع لأي ضوابط.. هذا ما يبينه في هذا الجزء من خلال خطأ مصرفي مع سيدة احتسبت أن الخطأ أصبح حقاً مشروعاً لها: «وجدت بعض الأفكار المضللة والمغلوطة أرضيتها الخصبة من خلال السنوات العجاف التي مرت على وطننا، هذه الأفكار نمت وتسلقت بطريقة طفيلية، لأنه وبكل بساطة هناك إهمال في تعليم الأجيال: ما المال العام، وكيف يتكون هذا المال وما حق المواطن في الانتفاع منه، وعلى من تقع مسؤولية المحافظة عليه.

بمثال توضيحي، تعلمنا في صغرنا كيف تقطع إشارة المرور، لكن لم نتعلم من يملك هذه الإشارة، حتى من يملك الشارع الموضوعة فيه تلك الإشارة.

تقصير كبير وجهل وتراكم لسنوات طويلة، ثم استغلاله بكل بساطة ليتحول إلى سلاح موجه إلى صدورنا.

«روح يا ابني.. يارب تلعب بالمصاري لعب»..

هكذا كانت تدعو أم طريف لابنها منذ صغره، تغمره السعادة عندما يسمع تلك الكلمات السحرية، معتبراً إياها أيقونة النجاح في الحياة، كان طريف على يقين بأنها ستتحقق يوماً ما، قريباً كان أم بعيداً زمن تحقيقها، رغم أن الظروف لم تكن توحي أنها ستكون في القريب العاجل، فالأوضاع العائلية التي تعاني منها الأسرة التي تعيش من الدخل المحدود للأب، لم تكن على أحسن ما يرام.

ذلك الأب الذي كان لا يدّخر جهداً في تعليم أولاده، وتلبية ما أمكن من طلباتهم، فرحته يكاد الكون كله لا يتسع لها، وهو يراهم يكبرون أمامه سنة فسنة وينجحون في دراستهم، أما طريف فقد كان شاغله الأكبر وضع أسرته، لذلك اضطرته الظروف، والخشية من إرهاق وضع والده المادي، أن يعمل أعمالاً مختلفة بالعطل الصيفية، حتى يتمكن من تأمين تكاليف دراسته خلال العام الدراسي، هو على هذه الحالة منذ كان في العاشرة من عمره، لا يذكر أنه في أي سنة من السنوات عبر مراحل دراسته حتى الشهادة الثانوية، أن سجل في ناد أو ذهب مع أصدقائه برحلة استجمام صيفية، كما يفعل أقرانه.

بسبب ذلك الوضع المادي اكتسب طريف خبرته في الحياة بشكل عام، والتعامل مع الأسواق على وجه الخصوص، لأنه لم يترك مجال عمل من الأعمال الحرة إلا جربه، بائع متجول، أجير في فرن، عامل في محل بزورية، حتى إنه زاول بعض المهن، كتصليح العجلات، وكعامل فني في معمل طباعة أقمشة، والكثير الكثير غيرها، حتى العتالة أيضاً جربها».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن