قضايا وآراء

نعم الأميركي خائف

| أحمد ضيف الله

من المفترض أن تؤدي الجولة الرابعة للحوار الإستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الأميركية التي انطلقت في الـ22 من تموز 2021، هذه المرة، إلى وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من الأراضي العراقية، بعد أن قال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي في بيان له في الـ24 من تموز الجاري: «أكدنا للجانب الأميركي عدم حاجة العراق لأي قوة قتالية أجنبية على أراضيه، وسيكون يوم 31 كانون الأول 2021، له طعم خاص».
الجولات السابقة التي كانت في حزيران 2020، وفي آب 2020، والثالثة في نيسان 2021 لم يُحدد في بياناتها المشتركة موعد ولا جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من العراق، رغم إعلان الأعرجي خلال مؤتمر صحفي عقب الجولة الثالثة، أنه لن «تكون هناك قواعد عسكرية أميركية في العراق»، وأن «الجانب الأميركي تعهد بسحب عدد مهم من قواته من العراق»، ومع ذلك استمر وجود القوات الأميركية القتالية في العراق، واستمر تحرك قواتها من دون ضوابط، وانتقالها ذهاباً وإياباً إلى داخل الأراضي السورية من دون رادع عراقي! مع أن «دور القوات الأميركية وقوات التحالف قد تحول الآن إلى المهمات التدريبية والاستشارية»، حسب البيان المشترك للجولة الثالثة!
الاستخبارات الأميركية كانت قد أبلغت الكونغرس خلال جلسة علنية في الـ13 من شباط 2018، بأن ثمة «خطراً جدياً ومتزايداً، متمثلاً في إمكانية قيام مجموعات مسلحة بهجمات على أهداف أميركية في العراق»، وبأن الوجود الأميركي لم يعد مطلوباً في العراق. وبالتالي ليس دقيقاً أن الأميركي ليس بـ«خائف من بعض الهجمات الصاروخية التي لا تُسمن ولا تغني من جوع».
في النصف الثاني من شهر أيلول 2020، سُربت أنباء عن أن وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو أبلغ رئيس جمهورية العراق برهم صالح خلال اتصال هاتفي، تحذير الولايات المتحدة الأميركية من استمرار استهداف القوات الأميركية وأرتال الدعم اللوجستي، إضافة إلى السفارة الأميركية في بغداد، وتلويحه بأن الرئيس دونالد ترامب «يدرس جدياً قرار إغلاق السفارة في بغداد، وهو جاهزٌ لتنفيذ ذلك». وبالتالي من الظلم القول: إن الأميركي ليس بـ«خائف من بعض الهجمات الصاروخية التي لا تُسمن ولا تغني من جوع».
كل جولات الحوار العراقية مع الولايات المتحدة الأميركية جرت في ظل ضغوط متواصلة من أطراف سياسية عراقية وقوى مقاومة مناهضة للوجود الأجنبي في العراق، أدت في الـ10 من تشرين الأول 2020، إلى عقد هدنة بين قوى المقاومة العراقية والقوات الأميركية، بوساطة شخصيات سياسية وطنيّةِ عراقية، تقضي بوضع جدولٍ زمنيٍّ محدودٍ ومُحَدّدٍ لانسحاب القوات الأميركية من العراق، مقابل إيقاف استهداف السفارة الأميركية، والمواقع الأميركية في العراق، ما يعني أن الأميركي خائف «من بعض الهجمات الصاروخية التي لا تُسمن ولا تغني من جوع».
إن التصعيد العسكري المستمر باستهداف القوات الأميركية في العراق، أثمر من دون شك عن إجبار الولايات المتحدة على الإسراع هذه المرة في وضع جدول زمني محدد لسحب قواتها من العراق.
صحيح أن أكراد البارزاني وبعض قيادات الاتحاد الوطني الكردستاني يحذرون من مغبة نشوب حرب أهلية في العراق كالتي يمكن أن تحدث في أفغانستان إذا انسحب الجيش الأميركي من العراق! وأن بعض القوى السنيّة في المنطقة الغربية من العراق يرون أن هذا الانسحاب سيكون لمصلحة الفصائل المسلحة الموالية لإيران، وسيؤدي إلى توقيتها، إلا أن هذا لا يخرج عن إطار التهويل والتخويف، حيث سبق أن هولت وسائل إعلام بعض تلك القوى، السنّية والكردية، من تداعيات وأخطار غلق السفارة الأميركية في بغداد، على مدى أكثر من شهر، انتهت بفشل فكرة التهويل التي روج لها.
ما من شك أن الولايات المتحدة الأميركية ستعمد إلى تكثيف عمليات استهداف الشعب العراقي، بالوسائل والطرق التي باتت معروفة، إلا أن إرادة العراقيين بإخراج القوى المحتلة لن تتوقف، فهي مرهونة بالتنفيذ الدقيق والواضح لقرار المجلس النيابي في الـ5 من كانون الثاني 2020، القاضي بإخراج كل القوات الأجنبية من العراق.
السؤال المطروح، ووفق ما كان قد جرى في فيتنام، وإيران الشاه، وما يجري الآن في أفغانستان بعد 10 سنوات من الوجود الأميركي فيه: هل يمكن اعتماد الولايات المتحدة كحليف؟ وهل برهنت الولايات المتحدة الأميركية على كفاءة مدربيها وأسلحتها في مجابهة حركة طالبان وتنظيم داعش؟ بل ما الثمار التي جنتها قوات آل سعود في حربها العدوانية على اليمن، في ظل تجهيز جيشهم بالسلاح الأميركي المتطور وتقديم التدريب والمشورة له؟
«يا عمي، أميركا ما بينشد الظهر فيها»، وليس دقيقاً أن الأميركي ليس بـ«خائف من بعض الهجمات الصاروخية التي لا تُسمن ولا تغني من جوع».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن