قضايا وآراء

صوت العقل أم ألم الميدان

| منذر عيد

تتسارع الأحداث لترسم المشهد النهائي لمستقبل المنطقة، حيث تتوضح ملامح هزيمة المشروع الأميركي في المنطقة، وتتسارع الأحداث من سورية إلى العراق وإيران، لتشكل في مجملها صورة جديدة يبرز فيها تغير في ملامح التعاطي الأميركي إزاء قضايا المنطقة، وجنوح نحو العقلانية المكسوة بكثير من الأمور الحسابية، والوجع في ساحات القتال في الميدان في كل من سورية والعراق، ولتشكل تصريحات المسؤولين الأميركيين حول قضايا المنطقة، من الاتفاق النووي الإيراني، وانسحاب القوات الأميركية من العراق، ومستقبل البقاء في سورية، الإطار الخارجي لتلك الصورة.
في المجمل ينتقل الأميركي، في حال الفشل، وعدم القدرة على حسم الأمور وتحقيق الإنجاز في قضية أو مشروع ما، من مرحلة المواجهة المباشرة مع الآخر إلى مرحلة الضغوط، والمحاربة بالوكالة، ومن هنا كانت العقوبات والحصار الاقتصادي على إيران، واستخدام تنظيم داعش الإرهابي وميليشيات قوات سورية الديمقراطية كأدوات بديلة لتحقيق أهدافها في سورية والعراق.
إلا أن اللافت فيما تحمله الأخبار من معطيات يؤكد عدم جدوى المراحل البديلة في السياسة الأميركية في المنطقة، وأن نزال عض الأصابع أفضى مبكراً إلى تعالي الصوت الأميركي وجعاً، وهذا ما انعكس في تصريحات المبعوث الأميركي الخاص لإيران، روبرت مالي، وقوله إن «الضغوط الأميركية القصوى التي أطلقها الرئيس السابق دونالد ترامب، ضد إيران فشلت»، وإن «الولايات المتحدة مستعدة للعودة إلى الاتفاق النووي في حال التزمت إيران هي الأخرى بتعهداتها النووية»، وهذا في طبيعة الحال مطلب إيراني أكثر مما هو أميركي، لطالما أعلنت طهران مراراً وتكراراً التزامها التام بجميع تعهداتها النووية.
تلازم وترابط الملفات في المنطقة بعضها بالبعض الآخر بشكل عضوي، حوّل مواقف الإدارة الأميركية إلى أحجار دومينو، لتتوالى قرارات التراجع والهزيمة الواحد تلو الأخرى، فكان إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال استقباله رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في البيت الأبيض إنهاء الولايات المتحدة «مهمتها القتالية» في العراق بحلول نهاية العام، لتباشر «مرحلة جديدة» من التعاون العسكري مع هذا البلد، هذا الأمر سمع صداه في سورية قبل إعلان القرار، حيث قام الاحتلال قبل أيام بعملية بحث عن عملاء جدد له، شبيهة بالصحوات في العراق، ليقينه أن استمراره في سورية مستحيل، مع انكشاف ظهره بخلو العراق من قاعدة خلفية له، وإيمانه أن أعمال المقاومة الشعبية باتت تؤتي أكلها، وتثمر ناراً في قواعدها غير الشرعية في سورية، مع الإشارة إلى إخفاق الاحتلال في الحصول على مبتغاه بين القبائل العربية التي قصدها في منطقة الجزيرة.
لا ندعي أن الأميركي، سيترك ساحات احتلها في سورية والعراق، كرمى لعيون من يقاومه ويتصدى له، أو أنه سيغادرها خالي الوفاض من دون مقابل ما، أو من دون أن يترك عملاء له ممن ارتضى لنفسه الخيانة وبيع الوطن، ليكملوا مخططاته، إلا أننا على يقين أنه راحل عنها شاء أم أبى، وما طلائع قراراته الانهزامية، التي يرى فيها البعض الآخر خطوات تكتيكية، إلا سحب الغيث الأولى للهزيمة الكبرى، طالما آمن أصحاب الأرض والحق بقضيتهم، واشتغلوا على مبدأ أن النصر ليس سوى صبر ساعة، وآمنوا أن هزيمة الولايات المتحدة القوة العسكرية الأعظم في العالم ليست أمراً محالاً.
من المؤكد أن اليوم ليس كالأمس، وما جرى في أفغانستان من انسحاب الاحتلال الأميركي، بعيداً عن دوافعه وغاياته، يمكن البناء عليه، وتفادي الألغام التي زرعها الأميركي هناك بقراره العاجل ذاك، ولتؤكد كلمات ملك الأردن عبد اللـه الثاني أن الرئيس بشار الأسد باق لأمد طويل ولابد من الحوار مع دمشق ما لم يستطع بايدن البوح والاعتراف به، ففي الأمر إحراج لجميع من تآمر ودعم الإرهاب في سورية، لأن ذلك بمثابة إعلان نصر لسورية وجيشها وقائدها وشعبها، الأمر الذي يتفادى أعداء سورية إعلانه بشكل صريح، كل ذلك بداية لمرحلة مقبلة للمنطقة سيغيب عنها بشكل كامل صور الاستعراض العسكري الهوليودي الأميركي، وهو يدعي محاربة الإرهاب، وستخفت فيه أصوات الرؤوس الحامية من أدواته الانفصالية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن