يُعرَّف مصصلح الزكاة بأنهُ تجسيد لفكرةِ «النماء والتنمية»، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام لأنه ببساطةٍ يضمن تكافل الأغنياءِ مع الفقراء، شرطَ أن نجدَ الطريقة المناسبة لتوظيفِ هذهِ الأموال بما يحقِّق الهدف المرجو منها شرعاً ولغة، والأهم من ذلك أن فكرةَ التكافل المبنية على الزكاة ليست حكراً على دينٍ أو مذهب فهي موجودة لدى الجميع بأسماء مختلفة.
في الشقيقةِ مصر، خرجت مبادرة رسمية تسمى «حياة كريمة» تهدف إلى تحسين مستوى المواطن المصري عبر الاهتمام بالمناطق الأكثر فقراً، لن نغوصَ كثيراً في هذه المبادرة، لكن حديثنا هو عن الفتاوى التي خرجت من مؤسساتٍ دينية عريقة تدعم المبادرة، وتؤكد جواز استخدام أموال الزكاة في دعم صندوقها، وبواقعيةٍ أكثر لابد هنا من الإشارة لأمرينِ مهمين:
أولاً، تأكيد دار الفتوى على مبدأ أن تكون كفاية الفقراء والمحتاجين هي في طليعةِ الطرق التي ستُصرف فيها هذه الأموال. هنا نبدو دائماً أمام معضلة حقيقية تتعلق بفكرة إقناع دافعي الزكاة بأن يكون هناك أولويات في توظيف هذه الأموال، اليوم مثلاً لو جاءنا من يريد أن يبني بيتاً من بيوتِ اللـه وقلنا له أيهما أولى أن نبني بيتاً لله أم أن نبني بيوتاً للفقراء والمحتاجين؟، ربما سيقودهُ المنطق باتجاه كفاية الفقير، لكن العاطفة كذلك ستسحبه باتجاه الآية التي تقول «إنما يعمر مساجد اللـه من آمن بالله واليوم الآخر»، لكن من قال إن من يعمِّر بيوت الفقراء هو أقل منزلة؟
هذا الشخص لو قرأ كلامي ألف مرة لن يقتنعَ بهِ «للأسف»، لكن الأمر مختلف عندما يكون حسم الجدل مبنياً على فتوى شرعية، وهذا ما فعلته المؤسسة الدينية في مصر، إعادة صياغة الحالة الشرعية للزكاة بما يتوافق مع الأولويات.
الأمر الثاني، بعيداً عن اختلافنا أو توافقنا مع مؤسسة الأزهر لكن دعونا نتفق بأنها قدمت مواقف طيبة تخدم المصلحة العامة، هي لم تقف أمام جواز تولي غير المسلم مقامَ الرئاسة مثلاً، حتى الإعلام المصري نفسه يفتح المجال للكثير من النقاشات الواعية بما يتعلق بالموروث الديني الذي أساء للدين أكثر بكثيرٍ مما أساءت له منظومة «الإسلاموفوبيا»، إلى ماذا استندت تلك المؤسسات الدينية في مصر؟ وما الذي ينقصنا لنسيرَ بطريقةٍ موازية إلا إن كنا نظن أن إنجاز كتابٍ لم يقرأه أحد هو تجديد للخطاب الديني!
أعرف تماماً كما غيري من السوريين أننا شعب طيب، هناك فقراء ومعدَمون يضعون نصبَ أعينهم فكرة الزكاة كأولوية ولو اقتطعوها من مصروفهم اليومي، فما بالك بالأغنياء؟ اليوم نحن فعلياً بحاجة لإعادة النظر بالطريقة التي يتم فيها صرف هذه الأموال، وهنا أتحدث عن كل الشعب السوري، فمبدأ الزكاة موجود في كل الأديان والفكرة بسيطة:
هل نستطيع إنشاءَ صندوقٍ واحد بحساب يمتلك الشفافية وبإشرافٍ ممن يثق بهم الشعب في الجهات الرسمية، لا يكون هدف الصندوق ربحياً بمعنى أنه لا يدعم إنشاء المشاريع الاستثمارية، هدفه فقط دعم المناطق الأكثر فقراً من بنى تحتية وصولاً لبناء منازل للشباب، الفكرة جميلة وتطبيقها ليس بمعجزة ولنتذكر قوله تعالى:
«وقل اعملوا فسيرى اللـه عملكم ورسوله والمؤمنون».. ليتنا ننتبه إلى أنه لم يقُل المسلمون!