«توجد سبعة أشياء تدمر الإنسان: السياسة بلا مبادئ، المتعة بلا ضمير، الثروة بلا عمل، المعرفة بلا قيم، التجارة بلا أخلاق، العلم بلا إنسانية، والعبادة بلا تضحية».
أعترف لكم أن عقلي لا يكف منذ نحو عشرة أيام عن استعادة هذه المقولة التي تنسب للزعيم والفيلسوف الهندي المهاتما غاندي (1869 – 1948)، وفي كل مرة تزيدني هذه المقولة حزناً لأننا نحن السوريين عانينا وما نزال، بدرجات متفاوتة، من هذا الطاعون السباعي الذي كان ولا يزال يفتك بنا ويسرق اللقمة من أفواه أطفالنا.
قبل نحو عشرة أيام أرسل لي أحد الأصدقاء مقالاً نشر في أحد المواقع الإلكترونية يتضمن كلاماً قاله السيد كنان ياغي وزير المالية مؤخراً في مجلس الشعب، حول الأساليب التي يتبعها التجار في التحايل على الدولة ومؤسساتها. قال السيد الوزير: «هناك شحنة من السكر محدد فيها سعر الطن الواحد بـ100 دولار علماً أن سعر طن السكر الخام في البورصة العالمية هو 350 دولاراً والسكر الأبيض بـ450 دولاراً».
وأضاف السيد الوزير: «في جولة على واحد من أهم مستوردي ومعبئي القهوة تم طلب البيان الجمركي منه وتبين أن كيلو البن لديه محدد ب/800/ ليرة سورية علما بأن سعر كيلو المبيع من القهوة يبلغ /25/ ألف ليرة سورية».
وفي ضوء ما سبق قال السيد الوزير: إن مهمة لجنة الأسعار الاسترشادية هي «عدم قبول تحديد سعر الكيلو إلا وفقاً للبورصات العالمية».
هنا أود أن ألفت عناية السيد الوزير إلى أن المستوردين من تجارنا الكبار لا يغالطون فقط في السعر، بل يغالطون في النوعية أيضاً، فكثير من البن الذي يستهلكه العالم الثالث لا يصل إلينا إلا بعد أن تقوم الدول (المتقدمة) باستخلاص بعض المكونات منه لاستخدامها في صناعاتها الدوائية وغيرها.
في عام 1986 أوفدت في مهمة صحفية إلى مهرجان فالنسيا لسينما البحر الأبيض المتوسط، كانت رحلتي إلى مدريد عن طريق روما، ولما علم الصديق سمير القصير سفيرُنا الحالي في إسبانيا، الذي كان آنذاك قنصلَنا في روما، أنني سأمر بـروما، طلب مني المجيء قبل موعد المهرجان بأيام يستطيع خلالها أن يريني المدينة التي تفضي إليها كل الدروب.
في أحد الأيام رافقت الصديق القنصل إلى السفارة، وأثناء قيامه بتدقيق فواتير الصفقات التي يجريها التجار السوريون في إيطاليا، انفجر القنصل بالضحك أثناء مراجعته لإضبارة صفقة سيراميك، إذ وجد في الإضبارة فاتورتين، الأولى بسعر عال جداً والثانية بسعر منخفض! فالتاجر يشتري النقشات والبضاعة الكاسدة بسعر بخس لكنه يأخذ من المعمل فاتورتين، واحدة منخفضة يقدمها للجمارك كي يدفع القليل، وأخرى عالية يقدمها للتموين كي يتم تسعير بضاعته بناء عليها!
وقد سبق لي أن كتبت قبل خمسة وثلاثين عاماً عن هذا النوع من السرقة المزدوجة التي يمارسها تجارنا الكبار على تجارنا الصغار ومواطنينا، لكن الكلام ذهب أدراج الرياح، وهذا يؤكد صحة ما قاله الراحل الكبير سعد اللـه ونوس: «إن التجارة بين الأقوياء والضعفاء ليست بيعاً وشراء. بل هي حرب وعدوان».