في الذكرى الـ65 على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين … سفير سورية لدى الصين لـ«الوطن»: علاقاتنا بلغت من العمق مستويات غير مسبوقة ومستمرون بتعزيزها
| سيلفا رزوق
اعتبر سفير سورية لدى الصين، عماد مصطفى، أن نوعية العلاقات السورية الصينية في العقد الحالي شهدت تطوراً لا مثيل له، وازدادت اتساعاً فشملت مجالات عديدة، وبلغت من العمق مستويات غير مسبوقة.
وفي مقابلة أجرتها معه «الوطن» عبر تقنية «الفيديو» بمناسبة مرور الذكرى الخامسة والستين على إرساء العلاقات بين البلدين، أكد مصطفى أن سورية والصين مستمرتان بتعزيز علاقاتهما السياسية والاقتصادية والثقافية والتجارية باطراد، لاسيما أن المعسكر الغربي يشن حملة ضارية من الافتراءات والشيطنة بحق الصين لا مثيل لها منذ عهد «ماو تسي دونغ».
ولفت مصطفى إلى أن زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي الأخيرة إلى دمشق ولقاءه مع الرئيس بشار الأسد، ومحادثاته التي أجراها مع وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، هي أحد المؤشرات على المستقبل الواعد للعلاقات بين البلدين.
وفيما يلي نص المقابلة كاملة:
• ما الأهمية التاريخية لإقامة العلاقات الدبلوماسية السورية الصينية؟
نشهد اليوم الذكرى الخامسة والستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين سورية والصين، وهي مناسبة ذات أهمية استثنائية لا تشابه إقامة العلاقات بين أي دولتين تتبادلان الاعتراف ببعضهما بعضاً، لأن جمهورية الصين الشعبية التي تأسست عام 1949 لم تنل الاعتراف إلا من ست عشرة دولة (من خارج الكتلة السوفييتية) وكانت تتطلع باهتمام كبير لأن تحظى بالاعتراف العالمي، إذ إن الأغلبية العظمى من دول العالم كانت تعترف بجزيرة تايوان الصغيرة في ظل حكم «تشيانغ كاي تشيك»، باعتبارها الممثل الشرعي لجمهورية الصين، وكان نظام «تشيانغ كاي تشيك» يحتل مقاعد الصين في الأمم المتحدة وسائر المنظمات الدولية الأخرى.
وبعد سبع سنوات من قيام جمهورية الصين الشعبية، لم تكن هناك أي دولة عربية تعترف بها أو تتبادل العلاقات الدبلوماسية معها.
وفي عام 1956 جاء اعتراف مصر وسورية بالصين الشعبية، وإقامة العلاقات الدبلوماسية معها بمنزلة معلم بارز من معالم السياسة الخارجية الصينية، ويتجلى هذا بوضوح في رسائل التهنئة المتبادلة بين الرئيسين بشار الأسد وشي جين بينغ، وبين وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، ونظيره الصيني وانغ يي بمناسبة هذه الذكرى المهمة.
• ما الخلفية التاريخية لهذه المناسبة والتي أدت إلى إقامة العلاقات الدبلوماسية بين سورية والصين؟
شهد عام 1956 أحداثاً جساماً على الساحة العربية، فكان الصراع بين القوى القومية والوطنية والتقدمية من جهة والقوى الاستعمارية وعملائها من جهة أخرى على أشده.
ففي القاهرة قام جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس في 26 تموز من ذلك العام، فيما ضخّت فرنسا الاستعمارية مئة ألف عسكري إضافي إلى الجزائر لتعزيز قمعها الوحشي لثورة التحرير هناك، وقامت مصر وسورية بعقد صفقتي أسلحة مع تشيكوسلوفاكيا، كاسرتين بذلك الاحتكار الغربي لبيع السلاح للدول العربية، الأمر الذي أثار غضباً عارماً لدى دول المعسكر الغربي، فبدأت بكيل الاتهامات لسورية ومصر بأنهما قد وقعتا تحت النفوذ الشيوعي.
وفي تموز من عام 1956 كلّف رئيس الجمهورية شكري القوتلي صبري العسلي تشكيل وزارة ضمت أول وزير خارجية في تاريخ سورية من حزب البعث العربي الاشتراكي هو صلاح الدين البيطار.
وكان أول عمل قام به وزير الخارجية البعثي هو الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية وإقامة العلاقات الدبلوماسية معها، ودعوة وزير الخارجية السوفييتي ديمتري شيبيلوف لزيارة دمشق في أول زيارة يقوم بها مسؤول سوفييتي إلى سورية.
وفي العام نفسه، بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية بين سورية والصين بشهرين فقط، اشترك الكيان «الإسرائيلي» مع فرنسا وبريطانيا في شن العدوان الثلاثي على مصر، الذي كان مآله الفشل الذريع.
• اليوم وبعد مرور خمسة وستين عاماً على إرساء العلاقات بين البلدين، ما قراءتك لمستقبل العلاقات السورية الصينية؟
صحيح أن العقد السادس من القرن المنصرم شهد معلماً مهماً في تاريخ العلاقات الثنائية، إلا أنني أعتبر، بكثير من الموضوعية، أن نوعية العلاقات السورية الصينية في العقد الحالي شهدت تطوراً لا مثيل له، وازدادت اتساعاً فشملت مجالات عديدة، وبلغت من العمق مستويات غير مسبوقة.
لقد اعتمد الرئيس الأسد بصورة حاسمة ولا تراجع عنها سياسة الاتجاه شرقاً، وهي سياسة قائمة على فهم إستراتيجي لطبيعة المتغيرات الدولية، والصراع العالمي المعاصر، وتمفصل القوى الكبرى مع حلفائها في سياسات محورية ذات أثر كبير.
طبعاً سياسة التوجه شرقاً ليست سياسة منفردة تعزل سورية عن دوائر مهمة أخرى في الساحة العالمية، بل هي تتناغم وتعزز سياسة التحالف مع الدول التقدمية والمناهضة للمشروع الغربي حول العالم، سواء أكنا نتكلم عن كوبا وفنزويلا، أم عن زيمبابوي وجنوب إفريقيا، أم عن قطاعات كبيرة من الجماهير العربية المناهضة للهيمنة الأميركية والمؤيدة للمحور الممانع للذل والهوان عبر الساحات العربية جميعها.
وسياسة التوجه شرقاً تلك، تعتبر العلاقات مع روسيا الاتحادية وإيران والصين الشعبية والهند وكوريا الديمقراطية خياراً ارتضته سورية لنفسها بديلاً عن العلاقات مع المحور الذي يقوده الكيان الإسرائيلي، ويضم في طليعته الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وأذنابها ومن يدور في فلكها.
وفي ضوء هذه السياسة سيستمر البلدان بتعزيز علاقاتهما السياسية والاقتصادية والثقافية والتجارية باطراد، ولاسيما أن المعسكر الغربي يشن حملة ضارية من الافتراءات والشيطنة بحق الصين لا مثيل لها منذ عهد «ماو تسي دونغ»، وما زيارة وزير الخارجية الصيني الأخيرة إلى دمشق ولقاؤه مع الرئيس الأسد، ومحادثاته مع الوزير المقداد إلا أحد المؤشرات على المستقبل الواعد للعلاقات بين البلدين.