يلاحظ الجميع أن الولايات الأميركية لم تخض منذ عقدين تقريباً حروباً ضد جيوش نظامية وهي منذ غزوها لأفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003 أصبح جيشها يواجه في هاتين الدولتين منظمات مسلحة أو ما يعرف «بقوى مسلحة من غير الدول» فقد ولدت حربها على الجيش العراقي عام 2003 واحتلالها لأراضيه بعد تدمير قدراته وهزيمته قوى مقاومة عراقية جابهت قوات الاحتلال الأميركية حتى هذه الأوقات، وتمكنت هذه المقاومة المسلحة ضد هاتين الحربين الأميركيتين من إرغام الإدارة الأميركية على الإعلان عن رغبتها بسحب قواتها كلياً من الدولتين في غضون أشهر.
ومع ذلك يرى الرائد المتقاعد في الجيش الأميركي داني سوجيرسين الذي تحول بعد خدمته في الجيش الأميركي إلى معارض للحروب الأميركية وأصدر عدداً من الكتب بعنوان «التاريخ الحقيقي للحروب الأميركية» في تحليل نشره في المجلة الالكترونية «أنتي وور» الأميركية في 28 تموز الماضي بعنوان لافت جداً هو: «لانسحاب الأميركي هل هو انسحاب أم إعادة رسم للحرب بطرق أخرى؟» يؤكد فيه أن الإعلان عن الانسحاب الأميركي من أفغانستان أو العراق تريد الولايات المتحدة من خلاله إخضاع الدولتين للهيمنة الأميركية بطرق أخرى لا حاجة فيها لوجود قوات أميركية تفرض سياستها على حكومات الدولتين لتحقيق مصالحها في المنطقة وفي مواجهة الدول الكبرى الأخرى لكيلا يكون في هاتين الدولتين مجال لفراغ تملؤه الدولة العراقية بقرارها المستقل أو تعمل العراق على ملئه بعلاقات متبادلة مع دول أخرى في المنطقة أو في العالم.
ولتحقيق هذه الغايــة تسعى الإدارة الأميركية إلى فــرض اتفاقات مع أي جهة أفغانيــة تســيطر في أفغانســتان وكــذلك مــــع أي حكومــة عراقية، وتعد هذه الاتفاقــات ملئــاً للفراغ الــذي ســيتولد من خروج القوات الأميركية وكأنها تريــد التحكــم عــن بعــد بسياسة كل دولة لمنعها من عقــد علاقــات مستقلة ومشتركة مع دول أخرى في المنطقــة أو مع دول كبرى في العالم مثــل روســـيا والصــين.
وتجد الولايات المتحدة نفسها في ظل هذا السيناريو في حرب مع قوى من غير الدول ومن غير الجيوش النظامية وستحاول العمل على تأليب الجيش النظامي على هذه «القوى من غير الدول» أو تحييده إن عجزت عن تأليبه وقد تشن واشنطن حرب استنزاف مبتكرة وطويلة الأمد ضد هذه «القوى المسلحة من غير الدول» بهدف إضعافها ومحاصرة فاعليتها على الأرض ومع ذلك ستجد واشنطن في الظروف الراهنة لأفغانستان فرصة لكسب طالبان الإسلاموية لأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لا تجد حرجاً في رؤية طالبان حليفاً في المستقبل ضد المناهضين لسياستها وستعد هذه السياسة خطوة نحو توحيد مختلف المجموعات الإسلاموية الأصولية التي تتبنى أفكاراً طائفية أو مذهبية في المنطقة لتوظيفها ضد المناهضين للهيمنة الأميركية.
ويبدو أن تضاؤل احتمالات الحروب الأميركية على الجيوش النظامية في المنطقة سيعني تزايداً في احتمالات الحروب الأميركية والإسرائيلية على «القوى من غير الدول» أي منظمات المقاومة المسلحة التي تشكل أطرافاً في محور المقاومة مثل حزب اللـه والحشد الشعبي وبقية منظمات المقاومة في العراق وفصائل المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة وخارجها.
وسيكون من الطبيعي أن يعد الجيش الإسرائيلي وكذلك الجيش الأميركي خططاً خاصة لشن حروبه على «القوى المسلحة من غير الدول» بل أيضاً بأسلحة مناسبة لمثل هذه الحروب، وربما جاء الإعلان عن الصفقة التي عقدتها إدارة بايدين مع الجيش الإسرائيلي أول من أمس لتزويده بأسلحة بقيمة أربعة مليارات ونصف المليار دولار ليؤكد هذا التوجه في شن الحروب على هذه «القوى من غير الدول» فقد ضمت الصفقة مروحيات حربية حديثة قادرة على نقل أوزان كبيرة من العتاد ومسلحة بأجهزة رصد دقيقة لكي يستخدمها الجيش الإسرائيلي في مناطق مثل قطاع غزة أو لبنان أو أي أرض أخرى في الجوار، ويرى الخبراء العسكريون أن هذا النوع من المروحيات قابل للاستخدام في حروب ضد جيوش نظامية وكذلك ضد «قوى مسلحة من غير الدول» ويتناسب مع هذه المهام في الظروف الراهنة التي تواجهها إسرائيل في مواجهة منظمات المقاومة المسلحة التي تنتشر من العراق إلى لبنان إلى سورية إلى قطاع غزة.