خاب ظن ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد» حينما اعتقدت أن علاقتها بقوات الاحتلال الأميركي «زواج كاثوليكي»، لتؤكد أصوات الخلافات المتعالية من أروقة تلك العلاقة أن ما يجمع الطرفين هو «زواج مسيار»، ولتبدأ حالات القلق تقض مضاجع متزعمي الميليشيات، وهم يرون بأم العين بوادر تشكيل منافس لهم، في المناطق التي يسيطرون عليها، في مؤشر على قرب انتهاء دورهم الوظيفي في المنطقة، وتحولهم إلى عبء إضافي على الاحتلال الأميركي المتهالك الخطا، والمأزوم أصلاً في المنطقة.
في المنطق، وفي دروس التاريخ، التي لم يتعلم الكرد منها شيئاً، فإن دوام العلاقة بين محتل وأي عميل سواء أكان مكوناً مجتمعياً أم مجموعة أم شخصاً، ضرب من المحال، أولاً لاستحالة بقاء الاحتلال إلى مالا نهاية، وثانياً طبيعة تلك العلاقة والتي ينظر فيها المحتل إلى الطرف الآخر بمنظور الأداة والذراع أو العميل، وليس من باب الشريك والحليف، وما تشهده منطقة الجزيرة من سعي محموم تقوم به قوات الاحتلال الأميركي، لإنشاء ميليشيات جديدة من العشائر العربية على صورة «الصحوات» في العراق، تحت مسمى «جيش العشائر» دليل على ما سبق، وبأن الاحتلال بات ينظر إلى ميليشيات «قسد» على أنها ورقة محروقة، في ظل المتغيرات الميدانية على الأرض السورية، والسياسية في أروقة الدبلوماسية العالمية.
جولات القادة من قوات الاحتلال الأميركي، التي قاموا بها في نهاية الشهر المنصرم في قرى ريف القامشلي بمحافظة الحسكة لاستمالة الشباب من أبناء العشائر للانضمام إلى الميليشيا التي أطلقت عليها اسم «جيش العشائر» والتي ستتبع لها مباشرة، يعكس حالة الخلاف المتنامي بينه وبين ما يسمى «الإدارة الذاتية» الكردية الانفصالية، خلاف وصل حد الطلاق، ما انعكس قلقاً لدى متزعمي «الإدارة»، ودفع بهم إلى سلسلة من الإجراءات، عبر إعلانها ملاحقة كل شخص سجل للانتساب إلى «التشكيل الجديد»، وسحب بطاقات من يود ذلك، وهي إجراءات لم ولن تقدم أو تؤخر في قرار المحتل الأميركي أو من قرر الالتحاق به عميلاً من شباب «العشائر»، بل على خلاف ذلك، فإن تلك الإجراءات خلقت حالة من الخلاف والتوتر بينها وبين الأهالي، إثر توافد متطوعون من مناطق الهول وتل براك وتل حميس واليعربية بالحسكة.
إدراك القيادات في «الإدارة الذاتية» الانفصالية، ومتزعمي الميليشيات التابعة لها، لحجم الخذلان الذي لحق بهم، من خلال تخلي المحتل الأميركي عنهم، دفع بهم إلى التغيير في نبرة حديثهم، والتغيير في إدارتهم ونظرتهم إلى الأمور مستقبلاً، وإن لم يكن بشكل صريح، أو بتحول حاد، ذاك التغيير بدا جلياً في تصريحات ما يسمى رئيسة الهيئة التنفيذية لـ«مجلس سورية الديمقراطية – مسد» إلهام أحمد بالأمس في برنامج «نيوز ميكر» على قناة «روسيا اليوم» حين ادعت أن «الإدارة» الانفصالية تعمل على وحدة الأراضي والجغرافية السورية، وتحافظ على الموارد السورية بعيداً عن المنظمات الإرهابية! كما توقعت حدوث انسحابات للاحتلال الأميركي في المناطق التي تتواجد فيها قواته، دون أن تخفي رغبتها بعدم حدوث ذلك، وأن تستمر ما وصفته بالشراكة بينهما.
بين الواقع والأماني، فإن رغبة أحمد ببقاء الاحتلال سوف تذهب أدراج الحقيقة، فالمحتل الأميركي بدأ قبل حين بإعادة حساباته، وهو من يجيد لغة الأرقام في الخسائر والمكسب، في المنطقة عامة وسورية خاصة، وذلك عقب تنامي المقاومة الشعبية في المناطق التي يحتلها شرق سورية، كما أنه بدأ بالبحث عن مخارج خصوصاً بعد تعرض قواعده لعمليات استهداف مباشر، وهو ما شكل قلقاً كبيراً له، ودفع به للبحث عن بدائل لتواجده في الأرض بشكل مباشر لتخفيف الضغط عليه، أو بدائل لميليشيات «قسد» الذي بات يشعر بحجم ما تشكله من عبء كبير عليه.
في ألف باء السياسة، والجغرافيا والتاريخ، فإن مشروع «الإدارة الذاتية» الانفصالية ولد ساقطاً، واحتمالية استمرار المولود المشوه «قسد» ضرب من المحال، في ظل حدوث أمرين يحاول دائماً عدم بلوغهما، وهما انسحاب الاحتلال وبدء الحوار مع الحكومة في دمشق والتوصل إلى حل سياسي للأزمة في سورية، لأن كليهما أو أحدهما سيكون بداية النهاية للمشروع الانفصالي، وإعلان لوفاة العمالة.
سقط أصحاب الرؤوس الحامية من «الكرد» ومن سار في ركبهم بمشروعهم الوهم، في دروس التاريخ والحساب والوطنية، وزادوا إلى سجل خيباتهم وجهلهم في كتاب التاريخ، خيبة وجهلاً جديدين، عاشوا التاريخ ولم يتعلموا دروسه، سكنوا الجغرافيا ولم يفهموا طبيعتها، تربوا في كنف الدولة ولم يتعلموا حب الوطن، لذلك ارتضوا أن يكونوا أداة ومطية، لا مكوناً وشريكاً في الوطن.