كان ش. بـرنارد (Chester Barnard) أول من اشتغـل بوضع تحليل أنظمة حوافز للموظفين في التاريخ الحديث (1938)؛ فقضى عـمره في دراسة تحفيز العـامل؛ فكل من يقوم بعـمل ويحسن عـمله.. يتوقع المكافأة؛ ليكون مثالاً يحتذى في الإنتاجية؛ حتى رب العـالمين طلب منا الصلاة والاستقامة وكافأنا بجنان عـرضها السماوات والأرض!
ولكننا نفاجأ في عـلم الإدارة بموظف متفان في الخدمة؛ نقي السيرة؛ يتلقى في النهاية عـكس ما يستحق؛ ويقول الناس عـنه إنه لقي «جزاء سنمار». فماهي قصة سنمار هذا!
قديماً أراد ملك اسمه النعمان بن امرئ القيس أن يبني قصرا عظيما، يباهي به جميع الملوك في ذلك الوقت، ويفاخرهم. كي يستضيف فيه ابن ملك الفرس، الذي أرسله أبوه إلى الحيرة، التي اشتهرت بطيب هوائها، وذلك لينشأ بين العرب ويتعلم الفروسية؛ سأل النعمان عن البنائين في مملكته، فعلم أن أن أمهرهم جميعاً مهندس رومي اسمه سنمار.
أرسل النعمان في طلبه فحضر لمقابلته. فبادره:أرسلت لك لتبني لي قصراً لم ير الناس له مثيلاً في مملكتي، وسوف أكافئك مكافأة عظيمة.
قال سنمار:يشرّفني طلب الملك، سوف أبني لك يا مولاي – قصراً ما رأى الناس مثله من قبل، لكن ذلك سيكلّفك الكثير، وسوف أحتاج إلى ألف من البنّائين المهرة.
قال النعمان: اطلب ما تشاء، وستجده بين يديك في لحظات، المهم أن تنتهي من بناء القصر في أقصر وقت ممكن.
مكث سنمار ومساعدوه ليالي وأياما يعد رسوم القصر، ثم اختار موقعا ممتازا على أحد الأنهار، وبدأ في البناء، واستمر يعمل ليلاً ونهاراً عدّة سنوات بلا راحة.
انتهى البناؤون من عـملهم، وذهب سنمار إلى النعمان وقال: قصرك جاهز الآن، ينتظر قدومك يا مولاي. كان الملك مشتاقاً ومتلهّفاً لرؤية القصر. ولمّا حضر أعجب ببنائه كثيرا، وشكر سنمار على جهده وبراعته وفنّه، وقال: ما كنت أتخيّل أبداً أنه سيكون بهذه العظمة والفخامة! إنّك تستحق جائزة كبيرة… طلب النعمان من سنمار أن يتجوّل معه في جوانب القصر. وأن يعرّفه بغرفه وقاعاته.
طافا بجميع جوانب القصر، ثم صعدا إلى سطحه العالي، وكان منظر المدينة من بعيد جميلاً. سأل النعمان سنمار: هل هناك قصر مثل هذا؟. فأجابه سنمار: لا يا مولاي. ثم سأله النعمان: وهل هناك بنّاء غيرك يستطيع أن يبني مثل هذا القصر؟. أجاب سنمار: كلا.. محال يا مولاي. ثم أضاف سنمار مفاخراً: ألا تعلم أيها الملك أن هذا القصر يرتكز على حجر واحد، وإذا أزيل هذا الحجر فإن القصر سينهدم، فقال: وهل غيرك يعلم موضع هذا الحجر؟، قال: كلا، فألقاه النعمان عن سطح القصر، فخر ميتا، (ويقال إنما فعل ذلك لئلا يبني مثله لغيره)، فضربت العرب به المثل بمن يجزى بالإحسان الإساءة. (وفي رواية أخرى قال سنمار: لو علمت أنكم توفوني أجرته لبنيته بناء يدور مع الشمس حيث دارت. فأجاب الملك: وإنك لتبني أحسن من هذا ولم تبنه، ثم أمر به فطرح من أعلى القصر فتقطع، فكانت العرب تتندر بنهاية سنمار.)!!
ومنذ ذلك الوقت، ونحن نقول هذا المثل: جزاء سنمار لكل من يقدّم خيرا للناس فيجزوه شرّاً.