قضايا وآراء

انحدار القوة الأميركية

| تحسين الحلبي

بعد سنتين من انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 بدأت الولايات المتحدة بتنفيذ مخطط سياسي واقتصادي ضخم وشامل لمحاصرة الاتحاد السوفييتي القوة العظمى الصاعدة لمنعه هو وحلفاؤه من التوسع في علاقاته وتزايد قدراته الاقتصادية والعسكرية، ولكي تحقق هذا الهدف جمعت حلفاءها في حلف عسكري سياسي مشترك وهيمنت على اقتصاد الدول المهزومة في أوروبا وآسيا بتنفيذ خطة مارشال الاقتصادية لربط دول أوروبا وآسيا بالمصالح الاقتصادية الأميركية وحرمان أي قوة أخرى من منافستها، وبدأت الإدارات الأميركية تضع دول الاتحاد السوفييتي وكل دولة تقيم علاقات معه على قائمة الحصار والتهديد بالحروب تحت شعار مناهضة الشيوعية إلى أن انتهت تلك المرحلة التي أطلق عليها اسم الحرب الباردة عام 1991 بانهيار الاتحاد السوفييتي والدول الأعضاء فيه، وكان من الطبيعي أن تعد واشنطن نفسها منتصرة وتعمل على الاستناد إلى هذه النتيجة لمنع روسيا والصين الخاسرين الكبيرين في هذه الحرب الباردة من استعادة قدراتهما الإجمالية لكي تستأثر هي بقيمة قوة القطب الواحد وتهيمن على العالم بنظام إمبريالي جديد واختارت لهذه المرحلة شعار محاربة الإرهاب بعد أن زال مبرر محاربة الشيوعية، وكانت في صراعها السابق مع الاتحاد السوفييتي والدول المناهضة لسياستها تستند إلى تقديم الدعم العلني لمجموعات إرهابية إسلاموية وظّفتها باسم محاربة الشيوعية في خدمتها ضد كل المناهضين لهيمنتها وخاصة من أفغانستان فوجدت في هذه المجموعات بعد الحرب الباردة فرصة لتوظيفها بإرهاب دولي والإعلان في الوقت نفسه عن تنديدها بهذا الإرهاب والدعوة لتأسيس تحالف عسكري دولي ضده استثنت منه روسيا والصين ليصبح عنوان هذه المرحلة الممتدة من عام 2001 حتى هذه الأوقات.
السؤال المطروح الآن هو هل نجحت واشنطن وحلفاؤها والخاضعون لسياستها في محاصرة الصين وروسيا وحلفائهما؟
تشير النتائج التي حملتها هذه الحرب الأميركية بعد عشرين عاماً على مجرياتها إلى عدد من الحقائق الواضحة:
أولاً: لم تستطع واشنطن الاحتفاظ بالقاعدة الأولى التي انطلقت منها في محاربة الإرهاب وهي أفغانستان فقد تلقت هي والأطلسي هزيمة صارخة وعجزت عن البقاء فيها وها هي تنسحب مجبرة على تغيير خططها من هذا الشعار.
ثانياً: شكّل انتصار سورية وحلفائها في المنطقة على المجموعات الإرهابية والداعمين لها ضربة بالغة الأثر للولايات المتحدة وحلفائها من عدة نواحٍ، فتم تفتيت القوى والمصادر الداعمة للإرهاب وإجبار واشنطن على إجراء تخفيض حاد في عدد قواتها في المنطقة وتراجع قوتها في المنطقة بين حلفائها.
ثالثاً: العجز الواضح للولايات المتحدة في الحد من تسارع الزيادة في القوة العسكرية والصناعية الروسية والصينية وتزايد عدد الدول التي تفضل إقامة العلاقات مع موسكو وبكين في أوروبا وفي المنطقة.
بفضل هذه النتائج بعد عشرين عاماً على ما يسمى مرحلة الحرب الأميركية على الإرهاب، أصبح الاعتقاد السائد عند عدد كبير من المحللين أن العد التنازلي للهزيمة الأميركية أمام نهوض القوى المناهضة للهيمنة الأميركية قد بدأ، وأن دولاً كثيرة حققت انتصارات ملحوظة في إحباط خطط الهيمنة الأميركية عليها باسم «محاربة الإرهاب» مثل سورية وإيران والعراق واليمن وليبيا والجزائر، في حين بدأت عوامل الضعف والتفتت في قوة حلفاء أميركا في المنطقة تتزايد سنة تلو أخرى من دون توقف، وكان الكاتب الأميركي ومؤلف عدد من الكتب عن السياسة الأميركية ومشاكل الدفاع والحروب في سياساتها اليوت كوهين قد توقع في تحليل نشره في مجلة «فورين بوليسي» في 27 تشرين الأول الماضي تحت عنوان «نهاية القوة الأميركية» انحداراً لا يتوقف في القوة الأميركية أمام القوى الأخرى المنافسة لها، وهذا ما نشهده من تآكل نسبي للقوة الأميركية في مجال القوة النووية والصاروخية بل في القوة الناعمة بعد ثورة الاتصالات «السوفت باور» التي تفوقت واشنطن فيها قبل عقدين تقريباً على الجميع، في حين أصبح المنافسون لها في هذا المجال يزدادون شهراً تلو آخر في أوروبا وروسيا والصين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن