ثقافة وفن

أردت أن أصيب أمراً واحداً وهو الأمل رغم ويلات الدمار … رايا الريس لـ«الوطن»: الرسم ظاهرة ثقافية يتسع للأحلام رغم ما خزّنته ذاكرتنا البصرية من مشاهد بشعة

| سوسن صيداوي

الحرب توجع الروح، الحرب تكسر كل طموح، الحرب تثني العزائم وتحبطها، لا تذهب إلا بعد أن تترك ندباً ليس من السهل شفاؤها، تبقى ذكرياتها السوداء في الداخل معششة بكل مشاعر الحزن والأسى. ولكن هل هكذا تبقى الحال، وهل نستسلم؟ بصيص الأمل يومض من بعيد، لأن الحياة ستستمر مهما كانت الظروف قاسية، هذا مبدأ من المبادئ التي تعتمد عليها الفنانة التشكيلية رايا الريس في مشوارها الحياتي والفني. فرغم الدمار المعماري والاقتصادي والنفسي الذي خلّفته الحرب، إلا أنها تتشدد لتتابع بالاستمرار، وهذا واضح في أعمالها الفنية التي قدمتها للجمهور في معرضها الفردي الأول الذي تم افتتاحه في غاليري زوايا في دمشق. احتوى المعرض على إحدى عشرة لوحة، متفاوتة الأحجام، ولكل لوحة قصة تبوح بمكنونات الفنانة الداخلية، إحدى عشرة تجربة فنية تبذل فيها الكثير من الجمال في طريقها لبلورة هويتها الخاصة.

بين المرأة والعمران

أسلوب متباين جمعته الفنانة في لوحاتها، تركيزها على قضايا المرأة، وتصويب أفكارها ما زال واضحاً للجمهور، وتجلى في المجموعة التي حملت عناوين: لا وعي، راقصة الباليه الحامل، كن أنت، الطفل، تأملات، بورتريه، لم أعد إنساناً، العقل الباطن، راقصة الباليه الحزينة.

وعن التزام التشكيلية رايا الريس بالمرأة في حديث خاص بـ«الوطـن» قالت: بداية المعرض يمثل حقبة زمنية أثرت بي وبكل سوري، وتلمس المرأة بمرحلة من المراحل بشكل خاص، لكونها كانت مقيدة، فالحياة توقفت ولم يعد بإمكانها تحقيق أحلامها وبناء مستقبلها، ورغم الإحباط الذي يعم المشهد، يجب أن تتمسك بالأمل وبقوة، وأن تتحدى كل الظروف، وبالفعل هذا أنا قد عشته كباقي النسوة، ولكنني حاولت أن أتابع، فإنجابي لطفلتي رغم الإرهاق والتعب، حيّدت ظروفه مع كل المصاعب الأخرى، كي أرسم، وبالنتيجة عبرت عنه في لوحة راقصة الباليه الحامل، فهي لن تسمح لشيء بأن يعيق شغفها بالرقص.

وفي جانب مختلف بالأسلوب عما اعتدنا عليه من الفنانة هناك مجموعة تتضمن الأعمال التالية: شيء من الحرب، عائدون، الخروج من حمص. وحولها أضافت الفنانة: «أنا أعشق التعامل مع الألوان الزيتية، ولكن في المجموعة الثانية والتي تصور أنقاض الحرب، اعتمدت الإكريليك إضافة إلى خليط من المواد. أما بالنسبة إلى موضوعها أردت أن أصيب أمراً واحداً، وهو الأمل رغم ويلات الدمار.

فبين الحطام هناك أغراض شخصية للقاطنين في هذه المنازل، وبوجود الأغراض الخاصة بالسكان، والتي أشرت إليها (بالشال) الذي يمكن أنه يعود لأم أو جدّة، قصدت من خلاله دفء العاطفة رغم بشاعة اليأس من الحطام، هذا وفيه الأمل الواجب التفكير به، بأن السكان يجب أن يعودوا إلى بيوتهم، والأمل بالبناء والعمارة من جديد. وهذا الأمر لمسني بشكل شخصي كما لمس السوريين كافة، وبالطبع يبقى الرسم ظاهرة ثقافية ما زالت تتسع للأحلام، رغم ما خزّنته ذاكرتنا البصرية من مشاهد بشعة، الأخيرة التي يجب أن تكون حافزا بإغناء مشاعرنا الداخلية، رغم فقدي لأعزائي، وعيشي للحرمان، وغيرها الكثير من الأمور التي صرفتني إلى البعيد عن الرسم، ولكن في النهاية، السلبية اجتمعت وبطريقة ما لتدفعني نحو ما أحب في إضافات جديدة في مشوار الرسم».

وختمت رايا الريس حديثها بتفاؤلها بالحركة التشكيلية السورية، لكونها تتابع أعمال زملائها الذين يناضلون لنشر الجمال رغم قبح الواقع.

من جانبه تحدث الفنان التشكيلي عصام مأمون عن تجربة الريس قائلاً: الفنانة رايا ما زالت في مرحلة التجريب، وفي أعمالها الحاضرة في معرضها هذا، نلحظ أنها تعمل وفق أسلوبين: الأول يظهر توجهها نحو الواقعية والكلاسيكية التي تدمج فيها شيئاً من المعاصرة. وفي أسلوبها الآخر نجدها ذاهبة نحو التجريد. وبالطبع هذه التجارب هي التي توصل الفنان إلى هويته. أما بالنسبة إلى هذا المعرض فهو معرض رايا الفردي الأول، وأنا أشاهد عبر لوحاته الجرأة، لكونها تستخدم الكولاج كي يخدم مشهداً بصرياً جديداً، هذا كما أنني ألحظ الصدق بالأعمال، لكونها تعكس بالرسومات حياتها الخاصة، وأخيراً أنا أشكرها وأشدّ على يدها لأنها تعمل وتحاول إثبات نفسها في هذا الوقت بالذات، والذي تكثر فيه كل الضغوطات التي تبعدنا حقيقة عن الدخول للمرسم والبدء بأي عمل جديد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن