يبدو أن المعركة القاسية التي يقحم العامل السوري مضطراً نفسه فيها يومياً عند مواقف الحافلات العمومية، باتت الأكثر كارثية نتيجة انتظاره لعدة ساعات حافلة ما تقلّه إلى مقر عمله، من دون أن يُخصم من راتبه بضعة آلاف ليرة سورية نتيجة تأخره، أو أن يُفاجَأ بفصله، وفي أسوأ الأحوال يُقدّم استقالته بسبب أجور النقل المُتملصة من رقابةِ الجهات المعنية.
ورغم وضع المواطنين الحق على تلك الجهات، إلا أن الأخيرة تؤكد «ضرورة لجوء المواطن إلى الشكوى عبر الاتصال بـ115 لتوقيف سائقي المركبات العامة المخالفة، وحجز المركبة فوراً»، بحسب تصريح عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل في محافظة دمشق مازن الدباس لـ «الوطن».
وقال الدباس: إن السائق الذي يزيد تعرفة الركوب من تلقاء نفسه، يُحال للقضاء ويُخالف بمليون ليرة سورية تحديداً عند مخالفة تسعيرة ركوب السرفيس وتقاضي 200 ل.س بدلاً من 130 ليرة، في حال وصلت شكوى ضده، ولكن «ليش ما حدا بيشتكي»، موضحاً قضية أجور التكاسي المرتفعة أن المحافظة أكدت على المواطن دفع ضعف المبلغ فقط الذي يظهر على العداد، من دون أي زيادة أخرى.
وعن إمكانية خفض أجور النقل المُحددة في حال تأمين مواد الطاقة والوقود وكل ما يلزم لمعالجة هذه المعضلة، بيّن الدباس أنها لن تنخفض، فالأجور تم وضعها بناءً على دراسة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك التي شملت كل الاعتبارات، من زيادة سعر الوقود وتأثيرها على أسعار قطع الغيار وغيرها.
ورغم تكرار مسؤولي قطاع النقل والمواصلات حديثهم عن ثقافة الشكوى، إلا أن بعض السائقين ضربوا كلّ القوانين عرض الحائط، واضعين أسعارهم حسب مزاجهم، متحكّمين بحاجة المنتظرين على أطراف الشوارع.
ريم – عاملة في القطاع العام بيّنت لـ «الوطن» أنها تضع أكثر من نصف راتبها أجور مواصلات بين منزلها وعملها، رغم مفاصلتها الدائمة مع سائق التكسي وكأننا في بورصة اقتصادية عالمية، ناهيك عن السائق الذي يُجيبك ببساطة «إذا ما عجبك لا تطلع.. أو روح اشتكي» على حسب تعبيرها.
أما يزن – موظف في القطاع الخاص، فمصيبته متعددة الأطراف، حيث أصدر مديره قراراً حاسماً ينص على خصم آلاف الليرات من راتب كلّ موظف يتأخر بالمجيء ولو بالدقائق، ما دفعه إلى تقديم استقالته، قائلاً: «لشو الشغل.. راتبي كله أجرة مواصلات».
ومع غلاءِ أجور النقل وقلّتها فرضت الحاجة على بعض الموظفين إيجاد حلول سريعة تعوّضهم عن هدر وقتهم لساعاتٍ متعددة، كاستئجار مسكن داخل أحياء العاصمة، إلا أن الإيجارات كانت ثقيلة جداً على كاهلهم.
لؤي – عاملٌ في القطاع الخاص أيضاً قال لـ «الوطن»: إنه لجأ للسكن في منطقة جرمانا باعتبارها من الأماكن القريبة على مدينة دمشق، والإيجارات فيها أقل من العاصمة، ولكنه وقع بفخّ المواصلات فلا سرفيس أو باص يجعله يصل إلى البرامكة مباشرة، ما يضطره للركوبِ في «التكسي المشترك» والذي يتم فيه تقاسم 10 آلاف ليرة تقريباً على 4 أشخاص، ما يعني دفع 5 آلاف كلّ يوم (روحة – رجعة» دون المصاريف المعيشية الأخرى.
ورصدت «الوطن» أسعار تعرفة التكاسي في بعض مناطق دمشق خلال وقت الذروة، حيث طالبَ سائق تكسي بنحو 15000 ل.س من جسر الرئيس إلى ضاحية قدسيا، وآخر بـ5000 ل.س من منطقة المهاجرين إلى ساحة باب توما، وبحوالي 7000 ل.س من شارع خالد بن الوليد إلى حي القصاع.