قضايا وآراء

بين الانتماء للوطن والولاء للمال

| بقلم د. حسام شعيب

كثيرون يعتقدون أن الانتماء والولاء للوطن من المسلمات التي لا تحتاج إلى أي شروحات أو تأويلات لكن واقع الحال يقول العكس تماماً، لاسيما في الأزمات وبالأخص المصيرية منها، فهذه الأزمات هي أكبر دليل على أن ما اعتاده الناس الذين يعانون من الأزمة ذاتها لم يكن قطعاً صحياً وسليماً، وإلا لما كان ببساطة أنتج أزمة.
لذلك من الضروري جداً في ظل الأزمات مراجعة المسلمات لفهم أسباب هذه الأزمات وتمكين إيجاد حل لها، هذا عدا الأهمية الدائمة لمراجعة المسلمات من منطلق معرفي بحت، وهذا ما يقي العقل من تحول المسلمات إلى حدود معرفية تحدُّ تطوره وتقدمه، إن تم التعاون معها دوماً كحقائق منتهية لا تقبل الشك.
ففي الأزمات كثيراً ما تبرز أصوات وأفعال تدافع أو تدين… الوطن كلما انفجرت قضية اجتماعية أو سياسية هدفها تخوين الآخر أو الاحتفاء به ووضعه فوق الأكتاف سواء أكان سياسياً أم اقتصادياً أو مثقفاً أو رياضياً.. قد نقيس الوطنية هنا في لحظة عابرة قبل أن تتبدد ومع ذلك ولتكن تلك اللحظة كلها وطنية، قد تختلط فيها بنشوة الانتصار أو العنصرية (تجاه الآخر) أو الولاء وحتى أحاسيس لتحقيق مصالح خاصة كالذي يثني أو يُطري أو يُسيد شخصاً ما فقط مقابل مال أخذه من سيده، فالوطن ليس هو حفنة من التراب أو قطعة قماش أو أصوات (أغاني أهازيج وأناشيد) تعلن عن الانتماء أو العكس، وليس هو كومة أوراق محددة الأجل أو حدود مصطنعة.
الشعور بالانتماء للوطن ينفرد بثقافة تاريخ مشترك بين أبنائه يمنح صاحبه الشعور بالانتماء له عبر روابط متينة تتجلى بالتأثر بالواقع والتأثير فيها، وكثيراً ما يتخيله البعض ككيس من العملات النقدية ما إن تتدهور الأحوال الاقتصادية فيه حتى يكفر به.
ولا يخفى على أحد أن المال السياسي العابر للحدود الوطنية لعب دوراً قوياً في حالة استقطاب ضعاف النفوس وعبدة المال بمستويات سياسية ودينية وثقافية واجتماعية مختلفة لم تشهدها سورية من قبل، ما أدى إلى بروز قوى جديدة منافسة لقوة مؤسسات الدولة الوطنية والتي سيطرت في وقت من الأوقات على كثير من المناطق السورية، وتحرير هذه المناطق وعودتها لحاضنة الدولة لا يلغي أو يُّعفي المشروع الخارجي التآمري في تكوين نخبة مدنية لديها المال الكافي لمصارعة أو منافسة مؤسسات الدولة الوطنية، فالمال السياسي لطالما كان هو الوقود الذي أشعل آلة الحرب على سورية بأدواتها المتعددة سواء أكانت سياسية أم إعلامية أو عسكرية.
وخطورة المشهد اليوم نتيجة الضغوطات السياسية والاقتصادية التي تمارس على الدولة الوطنية أن يتكرر المشهد بسيناريو جديد يكون عنوانه الحاجة للمال والولاء لمن يملكه وقد سجلت سنوات الحرب على سورية حضوراً سلبياً للمال حيث ارتبط بالاستغلال والمتاجرة بأقوات الناس، وشكل سداً منيعاً أمام التمدن والتحضر والحداثة وحالة الوعي السياسي والديني والاجتماعي ناهيك عن تحوله إلى مصدر من مصادر الطغيان والفساد الاقتصادي والاجتماعي وقبل هذا وذاك الفساد الأخلاقي والوطني.
إن المعادلة بين الانتماء للوطن والولاء للمال معادلة غير صحيحة لأنها ليست من ذات الجنس الحضاري والإرث التاريخي لمن يدرك معنى وجوده على أرض وطنه، فالأول له معنى مادي ملموس ومعنى روحي محسوس مستمر من جيل إلى آخر، أما الثاني فمعناه مادي بظاهرة أو طفرة مؤقتة تزول بزوال من يملكها، أما الوطن فلا يزول بزوال أبنائه أو خيانة بعضهم.
ولا يعني كلامنا بنفي أو رفض الولاء للمال أننا لسنا بحاجةٍ له أو أنه بمقدورنا الاستمرار من دونه لكن استثمارنا في المال أو الاستفادة منه يجب أن يكون مقروناً بفعل وطني مبني على أسس اجتماعية صحيحة لا أن يتحول رأس المال إلى وطن ويتحول الوطن إلى رأس مال وهو خطير في الفكر السياسي، وهذا ما يعمل عليه العدو الخارجي حينما يدغدغ مشاعر الفقراء والمحتاجين والعاطلين عن العمل والشباب كي يحوله إلى وقود أو بركان ينفجر بوجه أوطانه.
هنا تبرز أهمية الإدارة والوعي السياسي في مدِّ جسور الثقة والتعاون بين المسؤول والتاجر والمواطن وألا نسمح لأحد أن يقع في شرك المؤامرة أو أن يكون منصةً للنيل من خلالها من الانتماء الوطني الذي إن حكّمنا ضمائرنا جميعاً فسيكون أفضل حكمٍ في أدائنا الوطني على الصعد كافة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن