من دفتر الوطن

الهروب الكبير؟

| عصام داري

أحياناً يروق لي الهروب من وضع صعب أمرّ به، أو من مواجهة غير متكافئة إن كانت تميل إلى جانبي أو ضدي، وفي كل الأحوال فهو هروبي بشكل من الأشكال.
على سبيل المثال أعيش هذه الأيام وسط حصار خانق من الداخل والخارج للأسباب نفسها التي يعرفها المواطن السوري والتي تشتد وتتعقد يوماً بعد يوم وتصبح خانقة بكل ما تعنيه الكلمة!
لذا ولمواجهة هذه الحال التي لا أستطيع إيجاد الحلول لها، ولا أستطيع التحدث عنها كي لا يتهموني بأنني سلبي وأضعف الحس الوطني عند الناس، وجدتني مضطراً للهروب من باب مفتوح على مصراعيه، وكما يقول المثل الشعبي: (لا يموت الديب ولا يفنى الغنم)!
ولكن السؤال الحائر هو: إلى أين سأهرب، ومن يغطي على هروبي، وهل يرحمني من وضع ثقته بشخصي وقلمي المشاغب إذا هربت من مواجهة خاسرة سلفاً؟
وإذا قررت ألا أكتب عن الفساد والفاسدين والمفسدين واللصوص والحرامية وتجار الأزمات الذين يتاجرون بدم المواطن كتجارتهم بالمازوت والبنزين والغاز والخبز والفاكهة المحرمة على الفقراء فقط، والذين يحرمون على الأغلبية الكاسحة من الشعب اللحوم الحمراء والبيضاء والصفراء والبنفسجية!
كل ما أشرت إليه آنفاً ممنوع عليّ أن أتطرق إليه لا من قريب ولا من بعيد، وهذا ما يجعلني الانتقال إلى موضوعات مسلية وخفيفة وظريفة، كموضوع (فوائد الجزر في غض النظر) أو كيف تربي القطط من دون معلم، وكيف تأخذ طريق الهروب الكبير من دون تفكير!
والهروب الكبير فيلم من كلاسيكيات السينما الأميركية من إنتاج عام 1969، وهو مسلسل أميركي أيضاً ومسلسل مصري كذلك، لكنني أنأى بنفسي عن كل الأفلام والمسلسلات التي تحمل عنوان: (الهروب الكبير) لأن هروبي أكبر من كل الأعمال الدرامية على الإطلاق، فأنا أهرب من تحمل مسؤولية الكلمة الصادقة التي تعبر عن حال المواطن الذي لم يستخدم لسانه إلا كي يلوك اللقمة الجافة قي فمه تمهيداً لدخولها معدته عن طريق حلقه الجاف كلقمته وحياته!
هروبي الكبير من أبجدية تفتح مخازنها أمامي بكل حب وترحاب، وأنا أغلق هذه المخازن خشية أن تزعج أصحاب مقامات رفيعة، وطعنات سريعة، وأساليب وضيعة تجعل المجني عليه جانياً، والضحية متهماً، والبريء لصاً!
هروبي من كوني أضعف من أن أقول للمنافق إنك من المنافقين، وأقول للمرتشين في وجه المرتشين، وإنك لص حقير في وجه اللصوص، وما أكثرهم هذه الأيام التي هي أيامهم وحدهم. هروبي الكبير يأتي قبل أن يتهموني بالخروج عن النص والاصطياد بالمياه العكرة والصافية.
هذا هو هروبي يا سادة يا كرام، وسأظل هارباً من وجه قوانين وضعت لمحاصرة وإضعاف وتجويع ونهب الشعب، وأنا واحد صحيح من هذا الشعب الجريح.
أنا هارب فهل من معين يدلني على أبواب الرحيل خارج الجسد والعقل والحياة التي صارت عقوبة جماعية لا مفر منها؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن