ثقافة وفن

بين الجمال الطبيعي والصناعي في عالم التمثيل … لماذا علقت صورة فنانات الأسود والأبيض في أذهان المشاهدين؟

| سوسن صيداوي

في الزمن الماضي حيث كان الوقت مناسباً لتأسيس الشاشة الكبيرة والصغيرة، لم تكن التكنولوجيا بهذا التطور أو تلك الحداثة، فكل شيء كان طبيعياً، ولإخفاء العيوب ليس هنالك عمليات للتجميل، أو برامج فوتوشوب، وحتى المكياج بمواده وأدواته، ليس بحيله التي نلحظها اليوم.

الله جميل يحبّ الجمال، ولكن ماذا عن الهيئة الأساسية للفنانة، من حيث عيونها، خدودها، ضحكتها وشفاهها، إضافة إلى الكثير وصولاً إلى قدّها الميّاس. في وقتنا الراهن النجمات وحتى الشابات كلّهن متشابهات، فلقد أصبحت النجمة هي المصدر الأول لموضة التجميل، وبعدها تلهث الشابات لتقليدها، بغض النظر إن كان مناسباً أم لا.

ميزة الأبيض والأسود

بين ثلاثينيات وستينيات القرن الماضي شهدت صناعة السينما المصرية عصرها الذهبي، وتم إنتاج المئات من الأفلام باللونين الأبيض والأسود من كل صنف سواء أكانت كوميدية أم رومانسية أو درامية، وشهدت فترة الستينيات في سورية تأسيس التلفزيون السوري، وفي السينما والتلفزيون سواء كانت الشاشة بالأبيض والأسود، والميزة في ذلك الوقت، بأن تلك الشاشة كانت تخفي تفاصيل مهمة، كلون العيون ولون البشرة، والأهم بأنها تخفي الكثير من عيوب الأخيرة، أي إن الأبيض والأسود كان يقوم بالفلترة التي تقدمها التكنولوجيا اليوم، وهذه الشاشات منحتنا بساطة استشعار مدى صدق الجمال الذي نراه في صور فنانات وممثلات القرن الماضي، اللواتي تمكنّ من حفر أسمائهن وأدوارهن في الذاكرة والأذهان بأدائهن المتميز وبساطتهن وعفويتهن، ومن الأسماء على سبيل الذكر: سعاد حسني، نجلاء فتحي، زبيدة ثروت، فاتن حمامة، صباح، شادية، مديحة يسري… وغيرهن.

هذا قبل ابتكار عمليات التجميل الجراحية ومستحضرات التجميل والمقتنيات العصرية، من مكياج سينمائي وبرامج حاسوبية كالفوتوشوب، التي كلها أصبحت السلاح الأساسي حالياً لبعض جميلات اليوم، لتجعل من ملامح الوجه والجسد أكثر إثارة ومثالية، هذا وتجدر الإشارة هنا إلى أن الجراحة تحتاج إلى تجديد بين الفترة والأخرى، لتصبح الفنانة في نهاية المطاف مدمنة عمليات تجميل، على حين في الماضي كانت الفنانة تكتفي لاستعادة صباها، بعملية شد للوجه أو «ليفتنغ» وتخضع لها مرة واحدة كل عدة سنوات، كتلك التي اشتهرت بها الفنانة الراحلة صباح.

احترام عين المشاهد

المبالغة ثم المبالغة. الابتعاد عن المنطقية في الأمور هو ما يدفعنا نحو الانتقاد، ويأتي الرد بأن المكياج الصارخ أو القيام بعمليات التجميل -على حد قول الفنانات- بسبب طبيعة عملهن التي تفرض عليهن الظهور أمام الجمهور في شكل لائق من خلال تحسين صورتهن، لأن في ذلك احتراماً لعين المشاهد، هذا والمعايير قد اختلفت، لكون الصبا والجمال أصبحا رأس مال النجمات للاستمرار بالظهور على الشاشة، لتأتي الموهبة والاحتراف بالدرجة الثانية، في وقت نجد فيه قلة نادرة من الفنانات اللاتي يفضلن الإطلالة الطبيعية، ويعتبرن أن لكل عمر جماله وأدواره، وفي طليعتهن القديرة منى واصف التي تتمسك بتجاعيدها، على حين لجأت معظم الممثلات إلى التجميل على أنواعه: بوتكس، فيلر، حقن، تاتو حاجبين، وكونتور الشفاه، شد الجفون، تعريض الفكين أو ما يعرف بـ«التكساس»، إضافة إلى عمليات نحت الجسم.

جمال المرأة أساسي

فنانات زمن الأبيض والأسود سيبقين عالقات في أذهان الجماهير مهما طال الزمن، ويعود السبب في ذلك لجمالهن الطبيعي الذي لم يكن صنيع المكياج أو العمليات التجميلية، وحتى أجسادهن تمتعت بقياسات طبيعية كأي فتاة تتمتع بجسد صحي في يومنا الحالي. وعن جمال المرأة ومقاييس الجمال في الوقت الحالي، تمسكت الفنانة تولاي هارون بحديث خاص بـ«الوطـن» بضرورة أن تهتم المرأة بجمالها وأن تعتني به دائماً، لأنه من الضروري أن تنظر لنفسها في المرآة وترى نفسها جميلة، مضيفة «أنا مع أن تبقى المرأة فاتنة وأشدد على أن تهتم بجمالها وفق ما يحتاجه ويناسبه، وبالنسبة لعمليات التجميل فأنا أؤيد (البوتوكس) وحتى أنني أقوم بحقنه، ولكن ما لا أشجعه العمليات المبالغ بها، سواء التي تقوم بتغيير الهيئة الأساسية للشخص والتي تحوله إلى شخص مختلف تماماً، من حيث توسيع أو تضييق العيون، أو نحت الوجه وغيره من التفاصيل الأساسية فيه، كما أنني لا أشجع على نحت الجسم، ولا تعجبني التعقيدات التي تعيشها الفتيات الشابات، من حيث المقارنة بالفنانات العصريات اللواتي يخضعن لجميع أنواع التعديل على ملامحهن من خلال الجراحة أو حتى الأمور التقنية، فهؤلاء الشابات يقمن بالمستحيل كي يصبحن شبيهات للنجمات، وحتى للأسف الشديد في سن ما زال مجرد التفكير بها مبكراً».

تجدر الإشارة إلى أنه من هذه الزوبعة نبتعد قليلا لنقول بأن هناك عمليات تجميلية مقبولة، وهي عبارة عن «رتوش»، كتلك التي تخضع لها مثلاً: سيرين عبد النور، سلافة معمار أو ماغي بو غصن أو سواهن. فهن لم يغيرن في ملامحهن، بل حافظن على شبابهن لضمان إقبال المنتجين للتعامل معهن واستمراريتهن. وهذا ما أشارت إليه هارون مضيفة بأن التقنيات التجميلية المستخدمة، تجعل من الفنانات نماذج مستنسخة، فالبطلة تشبه الأم والمربية، بل حتى مدبرة المنزل التي تطل بالمشاهد تكون شفاهها منفوخة ورموشها اصطناعية وحواجبها مرسومة بالتاتو، بظهور لا يتناسب مع الدور، وتقول: «بالفعل كل النجمات مختلفات عن السابق، وفي كل سنة يكون الاختلاف أكثر وضوحاً، وبالتدقيق نلحظ أنها غيرت من ملامح وجهها إضافة إلى نحت جسدها. بالطبع الأمر مبالغ فيه، لكونه أصبح غير معقول، ولكن هذا حرية شخصية، ففي النهاية الفنانة هي امرأة وتسعى بكل الوسائل لتكون جميلة وواثقة من نفسها».

لتتابع هارون بأن المبالغة في عمليات التجميل، تزيد من نفور المشاهد، وخصوصاً إن كانت النجمة لا تناسب الدور المعروض عليها من حيث الشكل، لتقول: «التغيير أفقد الأدوار منطقها المطلوب، علينا الانتباه إلى الخلل الذي نتجه إليه، وخصوصاً أن حمى التجميل انتقلت إلى معظم الممثلات، وصار هاجسهن الأول تحسين أشكالهن، حتى على حساب الدور وتقديم شخصيات مقنعة. وهنا أحب أن أختم بأن الشكل ضروري ليتناسب مع الدور، ولأنني بعيدة عما يدور من جراحة وتقنيات تجميلية، تواصل معي المخرج فادي سليم وقدم لي دور خادمة طحنتها الدنيا بضغوطاتها، في الجزء الثاني من مسلسل مقابلة مع السيد آدم، وكان شرطه الأساس بأن ملامح وجهي لم تتغير، وبألا أكون قد قمت بأي عمل جراحي تجميلي لوجهي أو جسمي».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن