ضرورة تحمل غاية إنعاش لروحها وإنقاذ لذاتها، وإيقاظ لملكاتها الكامنة، إنهنّ يكرهن الملاحظات الناقدة، لكنهنّ يتعلقن بالتفاصيل الدقيقة التي تحيي لياليهن الفكرية، يكرهن من يعاشر أجسادهن، ويعشقن من يلهب أفكارهن، فقلوبهن تهفو وتملّ، وأجسادهن تشتهي وتسأم، وعواطفهن تتلون، فتشتد وتتلاشى، وإذا لم ينتبه الرجال لهذه الحالات، نجد أن سوادهن يشحب ويتلاشى أمامهم، لأن المرأة هي التي تثير الشجن إذا تكلمت، وتحول تصرفات الرجل إلى ردود أفعال تثير الشفقة، آخذة به إلى طالب سلام وباحث عن السعادة التي لا يصلها، ومهما بلغ من شأن، إن لم يغازل امرأةً، وينطق لها بكلمة أحبك باحترام.
وهنا أسأل: كيف تستمر الحياة من دون النساء؟ وعلى حساب أي شيء تستمر الذكورة؟ وما دور الحب في الحياة؟ وكيف نصل إلى السعادة من دونهن؟ هل أدركنا ماهية الضمير العاشق للحب عبر زمننا؟ وهل يقدر الإنسان المخطئ أن يتراجع عن خطاياه؟ وهل يبقى للتوبة معنى إذا حدثت، بعد أن يكون قد أضرَّ بالآخرين؟
مهما تكن المرأة باردة أو حارة أو منشغلة، إلا أن كلمات الغزل والعشق تلهب مشاعرها، وتحرك السواكن من جسدها ومكنوناتها، ومهما بلغت من العمر، لأن جنسها يشكل اسمها، شريطة أن تقدم بلطف وطيبة وعفوية، ومعها تمنحك قوة رجولتك من خلال ذكورتك، التي لا تشعر بها، إلا إذا وصلت بها إلى درجة الاهتمام المثير لها.
الإنسان قائم على الوهم الذي يخلقه أكثر مما يحيا في حاضره المعيش، والحياة بآلامها الصغيرة والكبيرة جديرة بأن تعاش شريطة خلق معادلة نتيجتها تعالج الآلام، وهذا لا يتم إلا إن توافرت امرأة عملية واقعية مرحة قابلة للغزل، فحقوق الجسد تضيع بين آلامه، ما لم يوجد لها وسائل قوته واستمراره.
إن تجاوز المحاكاة العمرية واللفظية والاعتماد على الجسد فقط يؤدي رويداً رويداً إلى فقدان الشهوة ونشوء النقائض التي تؤدي إلى الخلاف، الذي يحول العلاقة إلى رخص واستهزاء خفي سرعان ما يظهر، لأن اللذة العمياء لا تستطيع مغادرة عمائها، فليس الجسد ما يميز الإنسان، إنما فعله وأفكاره وتطبيقاته، والمرأة لا تحزن من رحيل زوجها أو حبيبها أو عشيقها، إنما تتألم من بحثها عن آخر، فهي تخاف عزلتها، لكنها تحيا ضمن تفاصيل شيطانية، تؤجج نيران تشوّقها لعلاقة حبٍّ جديدة.
إن عالم النساء غريب وعجيب، ومهما بلغ الرجل من معرفة بها، يكتشف في غفلة أنه لا يعرف عنها إلا القليل، لأن لدى كليهما حدوداً من الاحتمال، فالمرأة تقف بين حدّ تحمل الحياة مع شريكها، أو تفكيرها عندما يصيبها الجمود من الافتراق، وهذا يصيبها لحظة أن يحل الجمود، ولم يعد هناك لغة للحب والغزل.
إذاً كيف تستمر الحياة عند المرأة؟ هل تستمر بلا حب، بلا سعادة، بلا جنس؟ ألا تعشش في ذهنية المرأة تفاصيل ليلة حمراء؟ قضتها مع من تحب، فمادام الغزل موجوداً، فالحب يتجدد مع إشراقة كل يوم، لأنه يبدأ بحركة أو بهمسة أو بغمزة، فهو لا يمهلك، لأنه الحياة، فلا تدعه يغادرك، فإذا حدث غادرتك الحياة.
أتراهنون على حب هاجم شبابكم، أو على عشق اخترق نضجكم، أو على هيام تعلقتم به إلى نهاية عمركم؟ غازلوا بعضكم وأشياءكم كي تنتجوا لحياتكم حياة، حولوها إلى جمال، لا تتوقفوا عن الغزل الأنيق، وحتى الكاشف للغرائز المحببة، لأن فيه نفضاً لغبار العمر، وإحياءً للنيران التي غلفها الرماد، وتنشيطاً للغة الحياة.
إنه الغزل، هل يمكن لكائن أن يحيا أو يبدع من دون أن يغازل أو يحب ما يصبو لتحقيقه، ألا يتحول من دونه كل شيء إلى تصحُّر؟ أليس كل ما نتَّحد به أنثى، مادة أو فكرة؟ ألا يحتاج الكاتب إلى أوراقه الأنثى، كي تخرج منها ما يريد إيصاله؟
إنّ الدنيا بكل ما فيها للذكورة أنثى، وللنساء ذكورة، لأنها تجسد الدخول والخروج، فلنعمل على أن يكون ذلك أميناً ومحبباً.