قضايا وآراء

صراع القرن على بحر الصين الجنوبي

| هديل علي

في أكثف عقدة مواصلات بحرية في العالم، والتي تسمى بحر الصين الجنوبي، تعبث واشنطن باستقرار هذه المنطقة، للضغط على بكين والتضييق عليها، بهدف لجمها ومنعها من الهيمنة على هذه النقطة الحساسة، التي تمر عبرها مايقارب نصف ناقلات النفط العالمية، وبضائع تجارية تقدر قيمتها بـ3.5 تريليونات دولار، نسبة مشاركة واشنطن فيها ما يقارب 2.1 تريليون دولار، فمن غير الممكن أن تسمح لبكين بتحقيق سيطرة ساحقة على بحر الصين الجنوبي.
واشنطن تنطلق من تأجيج النار المشتعلة تاريخياً هناك، بين الصين من جهة والدول المشاطئة لبحر الصين الجنوبي صاحبة الادعاء السيادي في الممرات المائية والجزر والشعاب المرجانية والضفاف، وغيرها من المناطق من جهة أخرى، وهي فيتنام والفلبين وماليزيا وتايوان وإندونيسيا وتايلاند وسنغافورة وسلطنة بروناي وكمبوديا، حيث تعمل الولايات المتحدة على تغذية الخلافات والتحريض ضد بكين، وأعلن البيت الأبيض عن زيارة نائبة الرئيس كامالا هاريس إلى سنغافورة وفيتنام لتعزيز التعاون بشأن ما أطلق عليه «حماية قواعد الملاحة الدولية في بحر الصين الجنوبي»، وذلك استكمالا لإعلان وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن عن تعاون إستراتيجي مع إندونيسيا للغرض ذاته، بعد أن وعد بتقديم المساعدة للفلبين التي تتنازع مع الصين على جزر سبراتلي في حال تعرضها لهجوم، إضافة إلى حلفاء واشنطن الذين يلهثون وراءها أينما تأمرهم، حيث أرسلت ألمانيا سفينة إلى بحر الصين الجنوبي، إلى جانب مجموعة هجومية من حاملات الطائرات البريطانية، مع سرب طائرات هندي على متنها.
الباحث العراقي دياري صالح مجيد الحاصل على شهادة ما بعد الدكتوراه في العلاقات الدولية من معهد العلاقات الدولية بجامعة وارسو في بولندا، وشهادة دكتوراه في الجغرافيا السياسية من جامعة بغداد، أتى في كتابه «بحر الصين الجنوبي.. تحليل جيوبوليتيكي» على عدة نظريات جيوبوليتيكية مختلفة لشرح أهمية بحر الصين الجنوبي، كالمقاربة الماكندرية نسبة إلى الجغرافي البريطاني السير هالفورد ماكندر التي تركز على فكرة القلب البري للعالم، وأفكار الجيوبوليتيكي الأميركي نيكولاس سبايكمان ونظريته «ريملاند» (الإطار) ومفادها: «إن من يتحكم في منطقة الهلال الخارجي يسيطر على قلب الأرض وتوسعها، ومن يحد من توسع القلب يتحكم في مسار السلام العالمي»، أما المقاربة الثالثة فيردها مجيد إلى الجيوبوليتيكي الأميركي ألفريد ماهان الذي وضع نظرية القوة البحرية التي ترى في البحار مجالاً مهمّاً لتوجيه سياسات الولايات المتحدة على حين تكون المقاربة الرابعة متصلة بأفكار الجيوبوليتيكي الأميركي روبرت كابلان، المتمسك بالتفسير الجغرافي لحركة التاريخ والعلاقات الدولية، فيقترح تفعيل القوة البحرية الهندية للتوازن مع الصين، وإشغال الصين بمشكلاتها الداخلية، وإقناع الصين بألا تكون منافساً في المحيط الهادئ، بل أن تكون شريكاً!
المواجهة الصينية الأميركية تتخذ أشكالاً عدة، وتتجه للتصادم في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية والعلمية، مع الحذر الشديد من الطرفين فيما يخص المجال العسكري، فتعمد واشنطن بكل وضوح لتقوية خصوم بكين، وإشغالها بمشكلاتها الداخلية، فضلاً عن تفعيل المعركة الدبلوماسية في منطقة إقليمية، تسعى أميركا جاهدة لتحويلها إلى دولية، عبر الضغط على دول رابطة جنوب شرق آسيا «آسيان» فهل تنجح؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن